منيت الصحافة السعودية منذ عشر سنوات تقريبا وحتى اليوم بسابقة خطيرة تتمثل في المادة التحريرية المرافقة للإعلان المدفوع، حيث تقدم بعض الصحف إغراء للمعلن يتمثل في منحه مساحة تحريرية لا تحمل ما يشير إلى أنها إعلان مع كل إعلان تقدمه الوزارة أو المؤسسة أو الشركة للصحيفة، وهذه المساحة التحريرية إضافة إلى أنها تنشر دون الإشارة إلى أنها مادة إعلانية، فإنها مساحة تحريرية حرة يمارس عن طريقها المعلن (الجهة الحكومية أو الخاصة) كتابة ما يريد في شكل رأي أو خبر أو تحقيق صحفي يشعر القارئ أنه جزء من مادة الصحيفة وضمن مسؤوليتها عن المصداقية وتحري الدقة، وهو في الحقيقة مادة إعلانية بحته تحتمل كل ما يحتمله الإعلان من وهم ومبالغة وتدليس يصل حد الكذب البواح والتلميع لشخص بعينه أو جهة أو الإغراء بمميزات سلعة دون غيرها أو إطراء ومديح وإدعاءات كاذبة، وكل هذا يصاغ بطريقة لا تشير إلى أنه إعلان بل تغلف تماما بغلاف المادة الصحفية، فلا يعلم القارئ أنها من إعداد الشخص نفسه وإعلان مسبق الدفع لخداع القارئ. عدم وضع إشارة واضحة إلى كون المادة التحريرية هي في الواقع مادة إعلانية من إعداد المعلن إجراء غير مهني وغير مسبوق في صحافة العالم التي تحترم قراءها وتحترم ما ينسب إليها، فيكفي أنه نوع من تضليل القارئ وإرباكه وجعله يشعر بأن ما يقرأه هو شهادة محايدة من صحيفة منحها ثقته. وإلى جانب عدم المهنية، فإن هذا الأسلوب يتنافى مع الأنظمة والقوانين التي تحمي المستهلك والقارئ والإنسان إجمالا من التضليل، وتركز على ضرورة تنبيه المتلقي للمادة الإعلانية، سواء أكانت بالصوت أو الصورة أو الحرف، وأنها ليست معلومة موثقة من طرف محايد، وهذا ينطبق على الخبر وتزكية النفس وادعاء الإنجازات ورصد التاريخ بهدف حماية المتلقي من جهة وإنصاف الآخرين من جهة أخرى، فالمعلن عن ذاته أو سلعته أو إدعاءاته لا بد أن ينبه القارئ إلى أنها تزكية للنفس ويترك له الحكم على هذا الأساس، لأن ثمة منافسا أو صاحب حق حقيقي أو صاحب حق تاريخي من حقه أن لا يشعر المتلقي أن الشهادة من الصحيفة ضمن موادها المحايدة، وإنما ينبه أنها إعلان عن الذات وحكم القارئ عندئذ سيكون مختلفا. إن الدفع لا يبرر الكذب والتضليل، وإلا فإنها ستكون سابقة خطيرة تفوق سابقة رقابة المعلن، وتضع مصداقية الإعلام السعودي بأكمله على المحك. www.alehaidib.com