تفاعل القراء الكرام مع المقال السابق بتأكيدهم أنه لازال للوفاء بقية في زمن الجحود. وهو مبدأ نتفق عليه جميعا، من منطلق استحالة تعميم الأحكام، وأن الخير في أمة محمد عليه الصلاة والسلام إلى يوم القيامة. ويحتاج مجتمعنا بمختلف أطيافه لترسيخ قيم الوفاء، خاصة ضمن إطار الأسرة، التي يستحيل استمرارها بلا وفاء، حين يخشى فيها الآباء جفاء أبنائهم، في وقت هم أشد حاجة إليهم عندما يبلغون من الكبر عتيا. إن أكثر الناس برا ووفاء بوالديهم هم أصحاب النفوس الكبيرة، الذين لا ينسون فضل آبائهم، ومقابلتهم بالإحسان وحسن المصاحبة، وجميل المعاشرة التي تصل إلى منزلة الجهاد في سبيل الله؛ فقد استأذن رجل الرسول عليه الصلاة والسلام في الجهاد، فسأله: «أحي والداك؟ قال: نعم، فقال: ففيهما فجاهد». (متفق عليه). وقد جسد أحد الحجاج أروع صور الوفاء والبر حين تنقل بوالدته المسنة على ظهره بين المشاعر المقدسة، دون أن يتذمر، بل على العكس من ذلك يقول: كنت أشعر بسعادة لا توصف وأنا أحملها، ولم أشعر بأي تعب، وكل أملي أن أنال رضاها لأنه من رضا الله تعالى. وتروي إحدى الطبيبات أن مسنة دخلت عيادتها بصحبة ابنها، وبعد سؤاله عن صحتها، وحالتها العقلية لأن تصرفاتها لم تكن موزونة، قال: إنها متخلفة عقليا، فسألته: فمن يرعاها؟ فقال: أنا أهتم بها، وأحضر ملابسها، وأحرص على تناول الطعام معها لأطمئن عليها. فسألته ثانية: ولم لا تحضر لها خادمة؟ فقال: لأن أمي مسكينة مثل الطفل لا تشتكي، وأخاف أن تؤذيها الخادمة. وزاد من دهشة الطبيبة أن الشاب وحيد والدته، وكانت جدته ترعاه وترعاها، لكنها توفيت وعمره عشر سنوات! ولذلك فقد سألته: هل رعتك أمك، أو اهتمت بك؟ فقال: أمي مسكينة، منذ كان عمري عشر سنين وأنا أرعاها وأخاف عليها!. عندها بكت الطبيبة وقالت في نفسها: هذا وهي لم تكن له أما، حملته وولدته فقط، لم ترب، لم تسهر الليالي، لم تتألم لألمه، ولم تبك لبكائه..، ومع ذلك يقابلها بكل هذا البر! ومما يؤكد الأهمية العظيمة لاستمرار الوفاء للوالدين حتى بعد موتهما، توجيه النبي عليه الصلاة والسلام، حين سأله أحدهم: هل بقي لي من بر أبوي شيء بعد موتهما؟ قال: نعم، الدعاء لهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، وإكرام صديقهما. (أخرجه أبو داود). ومن أجمل صور الوفاء، ما قام به أحد الأزواج الذي حافظ على مواعيد زيارة زوجته في دار المسنين، رغم فقدانها للذاكرة، ولما سألوه: هل ستتعرف عليك زوجتك عندما تراك قال: كلا، فقالوا: وما الفائدة من زيارتك لها ؟، فأجابهم: زوجتي المريضة لا تعرفني ولكني أنا أعرفها لأنها زوجتي!. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 272 مسافة ثم الرسالة.