هذه المدرسة ليست في بلادنا، بل وليست في أي بلد عربي أو مسلم؛ لأن مدارسنا ما زالت «مخروقة» وتتطلع بحرقة أن تتحول إلى خارقة. المدرسة التي أتحدث عنها في اليابان، وقد سمعت حديثا مختصرا عنها في بعض أجهزة الإعلام، وكنت وقتها أتهيأ للنوم، لكن هذا الحديث المختصر أطار النوم من عيني، لأن التفكير شرق بي وغرب، قلت: متى نصل إليها وكيف؟! هذه المدرسة مخصصة لطلبة الثانوية، كلف بناؤها كاملا مائة مليون دولار، وهي في مدينة «أوكلاهوما»، يتم اختيار طلابها من أفضل طلاب اليابان، كما يخصص لها أفضل الأساتذة، يكفي أن نعرف أن خمسة من المشرفين عليها نالوا جائزة نوبل! تجهيزاتها ومعاملها مثل أفضل الجامعات اليابانية المتخصصة، فمثلا .. إحدى طالباتها تعمل على مرصد يكلف مائة مليون دولار! وهذا مثل واحد! من برامج هذه المدرسة أن طلابها يلتقون بين وقت وآخر مع أفضل علماء اليابان، ويستفيدون من علومهم، وهذه ميزة نادرة لمن يعرف التعليم .. أهم شيء في هذه المدرسة هو الهدف من إنشائها! قارن بين هذا الهدف وبين الهدف من إنشاء مدارسنا! هذا إذا كان هناك هدف. قال الذين فكروا فيها.. إن اليابان أشتهر بعلومه وعلمائه، وإن هؤلاء العلماء هم من صنع نهضة اليابان، وهم من طورها، وعليهم تقع مسؤولية استمرارها .. ومن أجل تحقيق ذلك الهدف يجب أن يعمل اليابانيون على تنشئة جيل جديد من العلماء المتميزين الذين يخلفون العلماء الكبار إذا غابوا لأي سبب! إذن .. هناك هدف نبيل وفي غاية الأهمية يستحق كل ذلك الإنفاق وأكثر منه كما يستحق كل ذلك الجهد المبذول من أجله. ومرة أخرى .. فكرت طويلا وأنا أستمع إلى ذلك الخبر، وكنت أردد: أليس في إمكاننا أن نعمل الشيء نفسه؟! لدينا مال يكفي ويزيد، وإن لم نستفد من هذا المال حاليا فقد لا نجده مستقبلا .. ولدينا طلاب أذكياء قادرون على صنع نهضتنا العلمية .. ولدينا أساتذة متميزون .. ونستطيع الاستعانة بآخرين عند الحاجة ولا عيب في ذلك. إذن .. أين الخلل؟! الذي أراه أن الخلل يكمن في تحديد الهدف وأولوياته وطرق تحقيقه! سيقول البعض: إن الذي تطالب به لم يتحقق في كل جامعاتنا، فكيف تريده أن يتحقق في مدرسة ثانوية؟! وسيقول آخرون: إن عددا كبيرا من ثانوياتنا لا يصلح للدراسة، ولا تكاد تجد فيه تجهيزات عادية فضلا عن سواها ممن تكلف مئات الآلاف! أيضا.. أعرف هذا .. ولكن ما الذي يمنع من تغييره، ولنبدأ بمدرسة «خارقة» واحدة ثم نرى ماذا سنفعل بعد ذلك. وسيقول البعض: إن مجموعة كبيرة من الخريجين لا يجدون عملا .. وإذا وجدوه فبراتب قليل وحمل كبير .. فهل نرجو من هؤلاء أن يساهموا في إيجاد بيئة مدرسية صالحة تخرج طلبة عباقرة أو تساعد على تخرجهم؟! وآخرون: معظم الطلاب يعرفون أنهم سيخضعون لاختبارات ظالمة «القياس والتقويم» وهذا سيجعلهم يبتعدون كثيرا عن مناهجهم ليستبدلوها بمتابعة آخر أخبار «القياس والتقويم» فهؤلاء هل تتوقع أن يكون منهم عباقرة ليدرسوا في المدرسة الخارقة؟! أعرف أن المعوقات للأسف كثيرة، وأعرف أيضا أن جامعاتنا لا تعمل بجد على صنع كفاءات علمية مدربة، فكثير ما نسمع «جعجعة لا طحنا» ولكني أعرف أيضا أن «الكبار» إذا وضعوا هذا الهدف وهو كبير أمام أعينهم فإنهم سيصلون إليه. المادة موجودة، وأعني بها: الطالب المتميز، والأستاذ، والمال، فلماذا لا نبدأ؟! تعليمنا للأسف لا يسر كثيرا، والترقيع لا يحل المشكلة .. أن تحذف مادة القرآن أو التوحيد، وأن تترجم كتاب الرياضيات أو العلوم ولا شيء أكثر لن تحقق الهدف. بلادنا تستحق منا الكثير، والتعليم هو الأساس، فلنعطها ما تستحق. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 213 مسافة ثم الرسالة