عندما يدخل المسلم إلى المسجد النبوي قبيل أذان المغرب، يجد أمامه سفر الإفطار المنتشرة داخل الحرم، والصائمون من كل الجنسيات الغني والفقير يتجهون إليها، لكن الملفت أن القائمين على تلك السفر، التي تفطر يوميا ما يزيد عن ربع مليون مصل، يتسابقون في جذب الصائمين إلى السفر التابعة لهم كسبا للأجر من المولى عز وجل، وامتثالا لقول المصطفى صلى الله عليه وسلم «من فطر صائما كان له مثل أجره لا ينقص من أجورهم شيئا». أحمد مصلح الجريسي واحد من الوجوه الرمضانية القائمين على أحد تلك السفر الرمضانية منذ 32 عاما؛ حيث بدأ عام 1399ه بمساعدة زوجته بإعداد عصيرات الليمون والتوت المبرد ووضعه في أكياس بلاستيكية وتوزيعها قرب الحرم النبوي. وفي عام 1400ه، اشترك الجريسي مع ثلاثة من أصدقائه، حيث دفع كل منهم مبلغ 50 ريالا، ليزداد المشاركون سنويا حتى أصبحت سفرة إفطار كبيرة في التوسعة القديمة من الحرم المدني، تستوعب لأكثر من خمسة آلاف صائم وصائمة، يقوم عليها 60 عاملا وعاملة، كما أنها تستمر هذه السفر عقب رمضان حتى نهاية شوال من كل عام. ويؤكد الجريسي أنه «كان في السابق يسمح بدخول الرطب والتمر والقهوة فقط إلى داخل الحرم، أما الآن فإنه يسمح بالخبز (الشريك) واللبن، مراعاة لمرضى السكر وكبار السن، أما في الساحات فهناك أماكن يسمح فيها بجميع أنواع الأطعمة»، مشيرا إلى أن هناك وجبات سحور في الساحات الخارجية تقام في العشر الأواخر، تتضمن الأرز مع اللحم، والفواكه، يمونها المحسنون. ويقول الجريسي: «عندما أقوم بهذا العمل أشعر بالراحة والطمأنينة والاستفادة من الوقت والإحساس بالمسؤولية والتحلي بالصبر وحسن التعامل مع الناس، وازداد به خبرة وتجربة جديدة من عام لآخر». ويتحدث الجريسي عن أصعب وأسعد موقفين مر بها في هذا العمل، فالأصعب يحكيه بقوله: «أتذكر أنه في أحد الأيام أحضرنا السحور إلى ساحة الحرم، وعندما بدأنا في توزيعه على الصائمين كانت تقف بجوارنا إحدى المعتمرات من إحدى الدول العربية، وكان مظهرها وهندامها أنيقا لا يدل أبدا على أنها محتاجة أو فقيرة، وما إن رأت اللحم فإذا بها تقفز من مكانها نحو القدر وسارعت بإدخال يديها فيه والتقطت شيئا منه، ويبدو أنه أحرقها لشدة حرارته، فرمتها وولت هاربة استحياء مما صنعت، فقمت بتعبئة صحن من الرز واللحم ولحقت بها وأعطيتها إياه فقبلته، وأخذت تدعو لي». أما الأسعد فيقول عنه: «كنت أحمل في أحد الأيام سبع تمرات في يدي قرب المغرب، فمر رجل صائم فأعطيته وجاء آخر فأعطيته حتى لم يتبق لي إلا تمرة واحدة في يدي، فجاء رجل ومد يده فأعطيته التمرة الأخيرة التي كانت معي، فشعرت بسعادة غامرة تملأ قلبي في ذلك اليوم». ويطالب الجريسي المجتمع بأن يعي قيمة التراحم، والتعاون، والبر، والإحسان، وأن يطبق ذلك الجميع، الأغنياء والفقراء، الأقوياء والضعفاء، داعيا الشباب إدارة مثل هذه الأعمال التطوعية، وتقديم الأفكار والمشاريع الخيرية الجديدة.