يقتنص الفنان لحظات ومواطن الجمال بعيني الصقر المحلق عاليا للبحث عن أسرار الأماكن، وجمال ما يحيط بها من معالم تشي بتأريخها للأجيال المتعاقبة. وعندما يجمع ذلك الفنان المولع برصد الجمال عبر عدسته الصغيرة، مجد الإمارة وحس الإنسان البسيط ومسؤوليات الوزير المدرك لأهمية ما حوله، نجد أننا أمام رجل استثنائي اسمه فيصل بن عبد الله بن محمد آل سعود. الجميع في البلدان الإسلامية يدركون روحانية رمضان، كما أن الجميع يتبادلون الدعوات إلى مائدتي الإفطار والسحور في شهر الخير والغفران، لكن الاستثناء هو من يحول تلك المناسبات البسيطة إلى مناسبات كبرى تستقي أهميتها من الزمان والمكان، كما فعل فيصل بن عبد الله ليلة البارحة عندما مزج روحانية الشهر بعبق التأريخ وبساطة الإنسان في حفل الإفطار الجماعي الذي دعا إليه في جدة القديمة. الأمير فيصل اختار بيت نصيف التاريخي مكانا للمناسبة، منطلقا من القاعدة التي تؤمن بأن صناعة الحضارة تبدأ من الاهتمام بالإرث المكاني والتاريخي لمن سبقونا من الآباء والأجداد. المناسبة المدعومة بحضور عدد من الشخصيات البارزة، منهم وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبد العزيز خوجة، كانت فرصة لقراءة تاريخ ذلك الصرح المعماري الفريد الذي يبلغ عمره 138 عاما، للاستمتاع بجماليات مطرزاته الحسية والفنية التي تصافح الزوار عبر رواشينه الخشبية التي تمثل في نسيجها وتصميمها الفريد هوية التراث المعماري لمدينة جدة. ولعل وزير التربية والتعليم ورئيس اللجنة الوطنية للتربية والثقافة والعلوم سعى من خلال هذه الدعوة لتسليط الضوء على قلب جدة النابض، الذي اكتسب أهميته من الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود عندما اختاره ليقضي فيه أياما، في ضيافة صاحب البيت عمر أفندي نصيف، واستمر الملك عبد العزيز يرتاد ذلك البيت نحو 12 عاما حتى بني (قصر خزام) الخاص بإقامة الملك في جدة، كما أن اختيار الأمير فيصل لبيت نصيف يعزز الاهتمام بجدة القديمة التي تتأهب هذه الأيام للحاق بمدائن صالح والدرعية في لائحة التراث العالمي التابعة لليونيسكو. الأمير فيصل، خلال حفل الإفطار، كان حريصا على استحضار أبرز الملامح التاريخية للبيت المبني من حجر الكاشور أو المنقب الجيري والأحشاب التي يقال إن جزءا كبيرا منها مأخوذ من باخرة إنجليزية غرقت في البحر الأحمر، غير أن استحضار تلك المقومات القوية في بناء البيت لم يبعد عن حضور البارحة، شبح الخوف من انهيار المبنى - لا سمح الله - الذي كان موعدا لاجتماع نحو 200 شخص في سطحه العلوي، خصوصا عند أداء صلاة المغرب في مربع لا تتجاوز مساحته 30 مترا مربعا. الأمير الفنان جمع في بيت نصيف بين مدرسة الفن الرومانسي التي ترى بأن الحقيقة والجمال في العقل وليست في العين، وبين مدرسة الفن الواقعي التي ترى بضرورة معالجة الواقع كما هو، ولعل مزاوجته بين هاتين المدرستين المتنافرتين، يؤكد مرونته وقدرته على التعامل مع الأحداث بحس وطني متفرد، ينعكس على أبسط الأمور، حيث حرص الأمير فيصل البارحة على أن يكون كل شيء في المكان ملائما لعادات وتقاليد الإنسان الذي لازمه وعايش أحداثه، ولم تخل مائدة الإفطار من الأكلات والمشروبات الجداوية الشهيرة التي يترأسها الفول وتجاوره (السمبوسك) -كما يسميها أهل جدة- والشوربة وعصير قمر الدين (المشمش المجفف) والخشاف (الزبيب الأسود) وغيرها.