الناظر لشهر رمضان من الناحية التربوية، يجد أنه مفعم بأنواع مختلفة من المفاهيم التربوية العميقة، بل إذا أمعنا النظر في فوائده لوجدنا أن الصيام به الحل لمعظم مشكلاتنا التربوية المعاصرة، لاسيما التربية السياسية، التربية الروحية، التربية الجهادية، التربية الاجتماعية، التربية على الانضباط على الإرادة، على الموازنة، على المساواة، على الحب، على الإيثار، على إدارة الأزمات، على قبول الآخر ؛ حتى على معالجة مشكلات خاصة تربوية مثل الخجل والأنانية والفوضوية؛ وأيضا المشكلات العضوية البدنية السكر والضغط، بل بعض الأمراض السرطانية الخطيرة. وأدعو الآباء جميعا لاستثمار الروح التربوية بشهر رمضان وفي فريضة الصيام، لتربية أبنائنا على المعاني السامية والأخلاق النبيلة والتربويات الراقية. نحتاج لئن ننهل من المائدة الرمضانية بلا نهم، وبلا شبع، لأنها مائدة متجددة بتجدد القرآن المنزل فيه. والناظر للقرآن الكريم أنه في مواضع مختلفة يربط بين الصيام الحقيقي والجهاد الحقيقي، يربط بين النجاح في اختبار الصيام والنجاح باختبار الجهاد. فالأمة التي تربي جيلا متميزا ناجحا بالصيام تكون أمة ناجحة في الجهاد موفقة للنصر (لا إرهاب مسلم وتحدي عنتري في غير موضعه). يقول تعالى: ((فلما فصل طالوت بالجنود قال إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني، إلا من اغترف غرفة بيده فشربوا منه إلا قليلا منهم، فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده، قال الذين يظنون أنهم ملاقو الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين (249)، ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وأنصرنا على القوم الكافرين (250) فهزموهم بإذن الله وقتل داوود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين (251))) فنجد الفئة التي صبرت على اختبار الصوم ونجحت في عدم الشرب من النهر ثبتت وقالت «كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين»، فكان جزاء نجاحهم بالصوم؛ مكافأتهم بالنصر، وفي ملمح آخر يقول تعالى: ((وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها قال أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير))، نجد أن هذه الفئة من بني إسرائيل لم تصبر على اختبار الصيام (يأكلوا فقط المن والسلوى ويصوموا عن باقي الأطعمة)، ونتيجة فشلهم في اختبار الصوم رسبوا باختبار الجهاد يقول تعالى (يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم، ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين. قالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون)، والواضح من القصتين أن الجهاد الحق مرتبط بالصوم الحق فلنربي أبناءنا على النجاح بالصيام لينجحوا بتحرير المقدسات. * مدرب ومستشار أسري [email protected] نتلقى استفساراتكم ومشاركاتكم في صفحات الملحق عبر البريد الإلكتروني: [email protected] والفاكس 026764035