لا يمكن إنكار الفجوة بين ما يدرسه الطلاب في الجامعات وهم على مقاعد الدراسة، وما يواجهونه عند انضمامهم إلى سوق العمل ومحاولة تطبيق المواد الدراسية على حياتهم العملية. فالتغيرات التي تحدث في التكنولوجيا وتدويل الاقتصادات الوطنية أسرع بكثير من السرعة التي تتغير بها المناهج الدراسية، بدرجة لا تلائم التغيرات المطلوبة في الأسلوب الذى يؤدى به الأفراد أعمالهم، وبالتالي شروط القبول في الوظائف. ولم تعد المعرفة بالكمبيوتر مجرد مهارات إضافية للفوز بوظيفة، بل ضرورة حتمية. ولم تعد المعرفة بلغة أجنبية أمرا مقصورا على الشركات الأجنبية، بل امتدت كشرط أساسى فى معظم الوظائف. ولم تعد الشهادة الجامعية كافية للحصول على عمل ملائم، فزادت بطالة الخريجين الجدد الذين يدخلون سوق العمل لأول مرة، وإن تباينت بين التخصصات وبين الأقاليم الجغرافية. وبسبب هذه الفجوة، يجد الطالب المتخرج أثناء محاولات الولوج إلى سوق العمل أنه قد يضطر إلى ممارسة عمل آخر (خريج أدب إنكليزي يعمل في مكتب سفريات، وخريج إعلام يعمل في مجال التسويق، وخريج محاسبة في الأمن... وهكذا) على أن يتم ردم الفجوة من خلال التدريب على رأس العمل، وكأنه بهذا يبدأ مرحلة دراسية جديدة. ومن جهة أخرى، قد يجد عملا ضمن مجال تخصصه، إلا أنه يضطر للتخلي عن كل ما درسه؛ ليبدأ مديره في العمل بإعطائه معلومات وأساليب عمل لا تتفق، بل قد تتناقض مع المواد العلمية التي درسها خلال عدة سنوات، مما يفقد الطلاب الثقة في جدوى التعليم وقيمة الشهادات. وقد يفسر ذلك اتجاه بعض الطلاب للالتحاق بمعاهد تدريب تقدم برامج متخصصة تصلح لفرص العمل التي يصادفها زملاؤهم، وقد يتحول ذلك إلى الإيمان بأن التدريب بديل وليس مكملا للشهادة الجامعية. فالتعليم هو عملية اكتساب المعارف والقدرات والمهارات والتوجهات الاجتماعية والثقافية؛ بهدف زيادة التراكم في رأس المال البشري المتاح للمجتمع، بينما العمل هو مشاركة رأس المال البشري في النشاط الإنتاجي لإنتاج السلع والخدمات. ولهذا يتوقف الحكم على درجة الانتفاع من مخرجات التعليم في تغطية احتياجات سوق العمل من العناصر المتخصصة الفنية والإدارية والأيدي العاملة الماهرة وشبه الماهرة، على مدى مرونة النظام التعليمي وسرعته في الاستجابة لاحتياجات الجهاز الإنتاجي، بالشكل الذي يعزز من قدراته على مواجهة التغيرات المتلاحقة في سوق العمل، بحيث كلما ارتفعت كفاءة ونوعية تلك المخرجات وازدادت درجة انتفاع الجهاز الإنتاجي منها، ازدادت درجة توافق نظام التعليم مع سوق العمل. وعند تحول النظام التعليمي باتجاه الاقتصاد المعرفي، تضمن المؤسسات التعليمية والتدريبية فعالية الاستثمار في رأس المال البشري، ويمكن لآليات سوق العمل ملاءمة أوضاعها للتطورات الحديثة، بحيث تجبر العوامل المؤثرة فى العرض والطلب لتكون أكثر ارتباطا بعناصر تحقيق الأهداف الاقتصادية للمجتمع، وفي مقدمتها ارتباط التعليم والتدريب باحتياجات سوق العمل. فالتعليم يربي السلوك وتنمية العلوم ونقل المعارف، ثم يضمن التدريب تحويل هذه المعلومات إلى مهارات صالحة للتطبيق بالشكل الذي يستوجبه العمل.