تنصرف «هيلين توماس» من البيت الأبيض. ستة رؤساء أمريكيين عبروا البيت الأبيض. ودعتهم كما استقبلتهم. وبقيت سيدة البيت الأبيض التي لا تتغير بتغير رجاله. خمسة عقود في الرأي والرأي الآخر. ثم اللعنة. غادري فورا أيتها العجوز. إذ من البداهة، أن تدركي أكثر من غيرك. أن حدود الديمقراطية الزائفة، أحيانا، أطرها الوهمية، ألوانها، بهرجتها الكاذبة، هي صنع مخيلة لص. لا يلتزم بشرط، ولا يقيم معيارا. ولهذا، فإن جوابا واحدا بسيطا من «هيلين»، صفق بكل ما قدمته عرض الحائط، ومعه كانت حقائبها، معطفها الرمادي، والتاريخ المنطوي في قسمات وجه العجوز الوقور. بظهرها المحني، وكرامتها المنتصبة، خرجت هيلين من البيت الأبيض، بعد أن قالت إن حل الشرق الأوسط يكمن في عودة شذاذ الأرض إلى قراهم التي جاؤوا منها ينسلون. «بحق الجحيم ليخرجوا من فلسطين». هكذا أجابت العجوز سؤالا مفاده: «هل من تعليق على إسرائيل؟». الشيخ الذي يستخدم منبرا عاما، ليردع «الشيخ الآخر» بجاروف من الكلمات القاسية. الكاتب الذي يستخدم الحروف رفشا يحفر به قبر «الكاتب الآخر». الإعلامي الذي يحارب في حلقته بلياقة هي أكثر وأكبر من كل فرسان الحملات الصليبية. ما يحدث من مسلسلات الرعي والرعي الآخر، مهزلة. وما يلاحق ذلك من تزويق لبعضها، ووهبه شعار الاختلاف والمجادلة أضحوكة. يتخندق الناس اليوم، من أجل فتوى. ويرصدون الطرق والمعابر والأنفاق من أجل سطر لكاتب. ويقيمون الدنيا ولا يقعدونها من أجل عبارة شاردة من فم رجل سمين يلبس بشتا وعمامة منشاة، يصرخ في مطلع كل ملحق ديني وثقافي وسياسي و «فني»: هل من مبارز. من أجل فتوى اغبرت حتى نسيها الغبار. ماذا يجري اليوم في منتديات الناس ونواديهم. أدخل إلى أشهر المواقع الإخبارية، تتبع أكثر المواضيع قراءة. انظر إلى مجموع ما كتب من مقالات في الأسبوع المنصرم عن فتوى عابرة لرجل عابر. رأى رأيا فقاله. فانتبذ له كتاب «العرضة» ليعلموه أنه ليس وحده الفقيه. انظر مثلا شيخا آخر. والشيوخ سامحهم الله، أساس المعارك، رغم أن هيلين، ليست شيخا بمعنى البشت والعمامة والسيارة الفارهة، شيخ آخر يقول قولا قاله قبله آخرون. تجد بعد ذلك خبرا في قناة المعرفة الأكثر، عن إيران، ثم فتوى الشيخ الضجة، ثم خبرا آخر عن إيران، ثم مرورا سريعا بما يحدث في غزة، ليعود الأمر إلى نفير أبواق المونديال، وهدير فتاوى بعض الشيوخ.. تلمح فراغا كبيرا. ومن خلفه، تتبدى لك عدم قدرة المجتمع على تقبل القول، لا الخلاف. لأن كثيرا من الجعجعة ما تقوم اليوم دون خلاف ولا فهم لما يراد أصلا. موقعو بيانات أميين. لا على مستوى القراءة والكتابة، بل مستوى الوعي والأمانة. وهذا ليس ردحا في المجتمع بأكمله. والعالم من البيت الأبيض، إلى التبت الأحمر، وإنما صورة تعزية، تعني أننا لسنا نشازا، وأن أمريكا، عمة العالم ديمقراطيا، تفعل ذلك. لذلك، أيها الشيوخ هزوا المنابر، ويا أيها الكتاب، أفرغوا المحابر، ولا صوت يعلو فوق صوت الجعجعة. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 252 مسافة ثم الرسالة