«صنعة في اليد أمان من الفقر».. هكذا منذ الصغر غرس كبارنا هذه العبارة في دواخلنا، بل وهكذا على أيام دراستنا في المرحلة الابتدائية كانت هذه العبارة يلقنها لنا معلمونا عندما كانت ضمن الحكم المنثورة في أحد كتب القراءة، بل وربما وجدت على الأغلفة الأخيرة للدفاتر ذات العشرين أو الأربعين ورقة التي كانت قيمة الواحد منها لا تتجاوز أربعة أو ستة قروش.. ولم تكن هذه العبارة وحيدة ولكنها ضمن عبارات أخرى مثل «ما حك جلدك مثل ظفرك» أو «الحلاقة بالفاس ولا صنيع الناس»، ولا أدري إن كانت هذه العبارات أو مثيلاتها مازالت موجودة في بعض الكتب المدرسية أم أن الحال تغير من منطلق التغييرات التي حدثت في مناهج مدارسنا بمراحلها المختلفة. أعود للصنعة أو المهنة التي كان أفراد مجتمعاتنا يمارسونها ليدفعوا عن أنفسهم شبح الحاجة وغائلة الفقر ويؤمنوا من خلال ممارساتهم لمختلف المهن لقمة العيش الكريمة لهم ولمن يعولون الأمر الذي جعلهم يعيشون حالة اكتفاء ذاتي في تأمين متطلباتهم الحياتية الضرورية والهامشية. في مجتمعاتنا المحلية كان يوجد النجار والحداد واللحام والصياد وعامل البناء والفوال والخباز وصاحب المتجر وغيرهم وغيرهم بل وحتى تلك المهن التي كان المجتمع ينظر إليها من منظور طبقي وضيع كان في الناس من يمارسها دونما حرج ودون أن يأبهوا بالنظرات القاسية التي كانت توجه إلى أصحابها وكان أهم شيء عندهم أن يوفر الإنسان لقمة عيشه بطريقة شريفة كريمة ولا يخلو ذلك من استثناءات ولكنها قليلة وقليلة جدا. ذهبت أزمنة وجاءت أزمنة وبين الذهاب والمجيء حدثت متغيرات وأبناؤنا الذين كانوا يفتحون أعينهم في بدايات حياتهم على تعلم المهن وإتقان بعض الحرف أصبحوا يفتحون أعينهم على المدارس منذ طفولاتهم المبكرة والكثيرون منهم يواصلون تعليمهم إلى مراحل متقدمة والبعض الآخر ممن لا تساعدهم قدراتهم الفكرية أو إمكاناتهم المادية على مواصلة التعليم أصبحوا ينظرون إلى العمل الوظيفي كغاية قصوى مدفوعين إلى ذلك بإغراءات الحصول على لقمة العيش التي توفرها الوظيفة دون عناء يذكر وبمرتب مضمون في آخر كل شهر، ومن هذا المنطلق أتيح المجال للعمالة الوافدة ارتياد مجالات المهن دون خشية من نظرات المجتمع أو تخوف من قانون العيب.. وفي هذا الصدد يحكى أن طبيبا احتاج إلى عامل سباكة وبعد أن أنهى السباك مهمته طلب من الطبيب مبلغا خياليا الأمر الذي جعل الطبيب يقول له: «أنا طبيب ولا آخذ مثل هذا الأجر في هذه الدقائق من الزمن»، فما كان من السباك إلا أن رد عليه ساخرا : «وأنا قلت لك ضيع مستقبلك واشتغل طبيب» ؟!!. للتواصل إرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو زين 737701 تبدأ بالرمز 101 مسافة ثم الرسالة