(نصل دائما متأخرين .. لنكون لمن انتظرنا لا لمن نهواه.. متعبين .. نجلس في المكان الخالي .. لا المكان الذي نتمناه ..) نقوش كثيرة كهذه جمعها البدر بن عبد المحسن، وخطها في شريان قارئه مثل وشم مشع بالأسرار، أو أن هذا ما فعله تماما في إصداره الجديد والمثير: (ومض) وفيه يتجدد البدر ضوءا وحزنا وحكمة، وهل قدر الحكمة إلا أن تكون ضوءا حزينا أو حزنا مضيئا ؟! كتاب راعب هذا ال (ومض) رغم ما فيه من مودة وفيض ألوان ساحرة، راعب لأنه لا يشبه سوى مرآة من الداخل، ولأنه شعر حقيقي قادر على التخلص من كل الزوائد وما لا يلزم، لذلك جاء (ومضا) فعليا يخترقك الضوء فجأة، كاشفا لك حجم الظلمة التي كنت تعيشها، تاركا إياك لمعالجة هذا الظلام بمفردك والاختراق الفاتن للجواني العميق فيك هو الخيط الرابط بين كل نصوص الكتاب الشعري التشكيلي الأخاذ والأخاذ هنا كلمة في محلها تماما لا أجد بديلا لها أطيب منها، فهو يأخذك إليك يعيدك إلى أبسط ما فيك، كاشفا لك عن كمية المسافة الشاسعة بينك وبينك يفعل ذلك دون غاية مسبقة لفعله فالشعر الحقيقي وما يخطه البدر نموذج رائع لذلك لا يقصد منه الشاعر شيئا سوى كتابته في لحظة كشف صادقة مع الذات وبمقدرة فائقة على التقاط الإحساس والنزول به إلى معان يمكن كتابتها، ويمكن قراءتها أيضا شرط امتلاكك لذات القدرة الفائقة على الالتقاط وشرط أن تكون لديك ذات الشجاعة والرغبة في الكشف. (ومض) واحد من أكثر الكتب أهمية في المكتبة العربية ولها؛ لأنه واحد من أكثرها محبة وقلقا هادئا وفتنة ليست نائمة، ويظل سر البدر الدائم أو أحد أسراره الهامة كامنا في عبارته التالية: (أعلم أن الأحلام تسبى والأماني تغتصب لكني لا أحب ما أعلم)، ولعل أفضل ما يمكن لي عمله الآن التوقف عن الكتابة تاركا المساحة المتبقية لمختارات من (ومض): • كل الرصاص طائش حتى ما يصيب منه! • الحياة طرق ممهدة أقدامنا هي الوعرة ! • الرمال بدو الطبيعة والبدو رمال البشر وكلاهما يتحرك ضمن وطن ويتغير ضمن أخلاق عندما يصلي إنسان الصحراء صلاته سريعة ولكنها واضحة ناصعة! • عود صوتك على كل جديد وقل ما تعتقد لا ما تجيد!