يلم الشاعر والناقد عبد الله السفر في كتابه ( اصطفاء الهواء : القصيدة الجديدة في السعودية ) شتات عدد من قراءاته النقدية التي نشرها على مدى عقدين من الزمن أو أكثر، التي تناول فيها بعض أهم تجارب وكتاب قصيدة النثر المحلية. وعلى الرغم من حديثه في بداية الكتاب عن العزلة التي عاشتها تلك القصيدة ومكوثها في « فسحة الظل» حسب تعبيره بسبب اختلافها الجذري عن قصيدة الثمانينيات الصاخبة، وبسبب ارتفاع المد الروائي الجارف الذي مازال يتصاعد، إلا أن ذلك لا يعني أن تلك القصيدة لم تحظ بالقراءة النقدية الهادئة والمتأنية والذاهبة إلى العمق من قبل نقاد أفرزتهم حركة القصيدة الجديدة كما يسميها السفر من داخلها مثل محمد العباس ومحمد الحرز والسفر نفسه. الشرط الموضوعي الذي تفترضه الكتابة النقدية لا يغيب عن ذهن السفر، ولا يغرب عن بصيرته، لذا فإنه لا يطلق العنان لخياله الشعري ليهيمن على نصه النقدي. كما أنه لا يميل إلى تبني الرطانة النقدية المتعالية على القارئ بحجة البحث عن خصوصية أسلوبية ما. ولا يسعنا هنا أن نتجاهل التفات بعض النقاد المكرسين مثل الدكتور سعد البازعي نحو تلك القصيدة وكتابته عن بعض أبرز تجاربها. وما يميز قراءات السفر النقدية هو أنه لا يكتب إلا عما يحب، وما يلامس وتراً بالغ الرهافة والحساسية العالية في نفسه. كما أنه عادة ينزع لتأثيث كتابته النقدية بمقاطع عديدة تطول أو تقصر من الكتاب أو النص الذي يتناوله بالقراءة وكأنه يريد أن يشرك القارئ في تلمس وتذوق جماليات النصوص التي يتناولها، ولأنه شاعر في الأساس، ولأنه من المفتونين باللغة وبجمالياتها، فإن ذلك ينعكس على كتابته النقدية التي يمكن قراءة الكثير من عباراتها، أو حتى بعض فقراتها الكاملة بوصفها شعراً في حد ذاتها. غير أن الشرط الموضوعي الذي تفترضه الكتابة النقدية لا يغيب عن ذهن السفر، ولا يغرب عن بصيرته، لذا فإنه لا يطلق العنان لخياله الشعري ليهيمن على نصه النقدي. كما أنه لا يميل إلى تبني الرطانة النقدية المتعالية على القارئ بحجة البحث عن خصوصية أسلوبية ما. ورغم أن مقدمة الكتاب توحي بأن المؤلف سيقصر حديثه على تجربة الشعراء التسعينيين، إلا أنه ضم أسماء شعرية تنتمي لما قبل ذلك الجيل مثل فوزية أبو خالد ومحمد الدميني ومحمد عبيد الحربي، وكذلك لما بعده مثل زياد السالم وعبد الرحمن الشهري وعبد الله ثابت ومحمد خضر. إنه كتاب لا غنى عنه للمهتمين بقصيدة النثر المحلية.