يعتبر مثقفات ومثقفون أن المشاركة في الأيام الثقافية السعودية في الخارج، وعلى الرغم من كونها تجربة جيدة، إلا أنها في حاجة إلى تقنين، ودقة أكبر في نوعية اختيار المشاركين، إذ يرى البعض أن أسماء ثقافية بارزة غيبت، فيما حضرت أسماء أخرى أقل شأنا وقدرة على إبراز الجانب الثقافي السعودي، فيما غاب آخرون على طريقة إرسال الوفود التي وصفوها بالعشوائية، مطالبين عبر «عكاظ» بتنظيم دورات تتعلق بهذا الشأن تشعر المثقف أنه في مهمة رسمية يمثل بلده، مع ضرورة إبراز مختلف الجوانب الثقافية التي تتمتع بها المملكة بالنظر إلى ما تتمتع به من غنى ثقافي وتاريخي. آلية الاختيار الشاعر نايف رشدان الذي يتحفظ على أي عمل ثقافي، يأمل أن يتولى دفة أي عمل ثقافي شخص مبدع من المثقفين، ولا يحبذ أن يكون على رأس أي وفد سعودي ثقافي من لا ينطق جملة عربية فصيحة، ثم يقال أمام العالم إن هذا هو وفد المملكة الثقافي، معتبرا ذلك كارثة ألا نجد حتى من يحسن الخطاب، فإما أن يتحدث بالعامية أو يقع في مزالق النحو والأسلوب، مؤكدا أن هذا الأمر يعتبر مأساة حقيقية. وأشار إلى أن العمل الثقافي يتطلب صورة حسنة يمثلها مبدعون يقدمون النموذج الأكفأ، كون المتلقي الخارجي يحكم على نتاج أي بلد عبر ممثليها في ذلك المحفل. ويرى رشدان أن آلية الاختيار في حاجة إلى تقنين، كون المعايير التي يؤخذ بها حاليا مضطربة وعشوائية، واقترح أن تكون هناك لجنة متنوعة الأطياف تتبدل كل عام حتى لا يقال إن هذه الأسماء محسوبة على هذا أو ذاك وتمنح الفرصة لأكثر من وجه. دورة للمشاركين الناقدة الدكتورة لمياء باعشن تنفي معرفتها بمن يشارك أو يعتذر، لافتة إلى أنه سبق أن وجهت لها دعوات كثيرة لكنها اعتذرت لظروفها، لكنها أشارت إلى أنه سبق لها المشاركة في الأيام الثقافية في قطر غير أنها انتقدت طريقة ذهاب وعودة المثقفين التي ترى أنها عشوائية وغير منظمة، إذ لا تشعر المثقف أنه في مهمة رسمية يمثل من خلالها بلده، مطالبة بتنظيم دورة تتعلق بهذا الشأن مع ضرورة أن تكون هناك انتقائية شديدة لنوعية المشاركين وأن تكون لديهم القدرة على تأدية هذه المهمة. أما عن المشاركة بحد ذاتها فترى أنها خطوة إيجابية تسهم في ظهور الأدب والثقافة السعودية للشعوب الأخرى، إلا أنه من الضرورة الوقوف على أية تجربة من هذا النوع والعمل على تقييمها. نشاط مناطقي الشاعر محمد زايد الألمعي يشير إلى أن الخلل يحسم ويعالج عندما تصمم الأنشطة على أساس نوعي لا أن يكون بتحديد أشخاص أو منطقة بعينها، ويقول: يجب أن تصمم الأنشطة كحزمة من النشاطات الثقافية التي تمثل البلد في ظرف تاريخي معين، ومن ثم تختار الأسماء وفقا لتلك الأنشطة، مؤكدا أنه متى ما أخذ بالاعتبار تلك المشاركات على أساس نوعي فلن يكون هناك أي تذمر أو شكوى من حضور أسماء أو تغييب أخرى. ويعتبر أن الاحتجاجات حول الأيام الثقافية لكونها صممت على أساس شخصي، وليس نوعي، وإذا ما استمر الوضع كما هو عليه فلن نحقق أي عدالة برغم بعض الاجتهادات، بيد أن العمل يختلف كثيرا حين نقدمه بحماس أو نقدمه بموضوعية. ويذكر الألمعي في هذا السياق «حضرت أحد الأنشطة في الخارج وشاهدت فرقة شعبية تمثل إحدى مناطق المملكة حضرت بزيها وفلكلورها، فهل نقول إن هذا الفلكلور يمثل المملكة أم يفترض أن نشير إلى أنه يمثل منطقة بعينها»، مضيفا «مساحة المملكة شاسعة وثقافاتها متعددة وما دمنا نعرف الآخرين بثقافتنا المتعددة، فمن المهم أن نوضح للآخرين تعدد ثقافتنا لا أن نحصرها في عمل واحد». تحفيز المبدعين الروائي محمد المزيني يعتبر أن الاحتفاء بالثقافة خارجيا أمر محمود ومطلب ملح، بيد أن أي حراك باتجاه الآخر بغية إقناعه بمحتوى الوعاء الثقافي والفني يحتاج إلى أرضية صلبة تنهض عليها هذه الثقافة، كما تحتاج أيضا إلى أدوات رديفة مسخرة لبناء هذا الصرح وتمتينه وتأثيثه جيدا. وقد دأبت الوزارة منذ وقت مبكر أن تقتطع جزءا من الصورة الثقافية لبلادنا وحملها إلى مناطق مختلفة من العالم من خلال الأسابيع الثقافية، ولعل الفن بأنواعه يستغرق الحيز الأكبر من الإطار مع إغفال الجانب المهم الذي يشكل لب وعي المجتمع وثقافته، المتمثل بالإبداع الكتابي من شعر ونثر لعدة أسباب منها العائق اللغوي متى كانت الأسابيع في بلد غير عربي، وأحيانا تتعلق بالمبدع نفسه الذي لا يقدم نفسه بشكل يلائم نتاجه الإبداعي، لذلك يكون بعيدا عن مرمى العين، أو لربما يعود إلى صعوبة التعامل مع المبدعين على اعتبار استقلاليتهم ما يبعدهم عن العمل الجماعي، لذلك تتعسر إدارته مستقلا بذاته بينما تكون إدارة الفرق الأخرى من تشكيل وفلكلور اللتين تتخذان من اللون والصوت المدوزن على إيقاعات متناغمة وسيلة للارتباط الوثيق بينها. وهنا أذكر على سبيل المثال الأسبوع الثقافي في مصر الذي لم يجد الأدباء من شعراء وكتاب قصة فيه الجمهور اللائق بهذه الجهود المبذولة، حتى أن بعض القاعات خلت تماما من الحضور. وسأل المزيني عن الحلول وعن الكيفية التي يمكن أن تصل ثقافتنا بشموليتها للآخرين؟. ويرى أن هذا الأمر مسؤولية وزارة الثقافة والإعلام، بحيث تبحث عن آلية معينة تنفذ عبرها إلى عمق المجتمعات الأخرى كأن تقدم الأنشطة الثقافية في الجامعات ويتزامن معها توزيع مطبوعات المبدعين المشاركين، وتحفيز مبدعي البلد المضيف على الانخراط بهذه الأنشطة، وإشراك بعض القنوات الفضائية للإعلان عن هذه الأسابيع وتغطيتها ولو بأجور مدفوعة. ويطالب المزيني بعدم حسر اختيار ممثلي هذه الأنشطة على التشكيليين أو الفلكلوريين باستسهال مفرط، إذ يجب أن تكون صورة الوطن كاملة داخل هذا الإطار. تجارب إبداعية الشاعر محمد خضر لا يرى بأسا أن تركز الأيام الثقافية على الفلكلور الشعبي جنبا إلى جنب مع فنون الأدب المختلفة، لكن دون أن تطغى عليها لتحيلها إلى هامش خاطف. ويتمنى خضر لو قدمت تلك الأيام الثقافية جهدا أكبر في البحث عن تجارب إبداعية مختلفة في كل مرة بعيدة عن الأضواء، مشيرا إلى وجود تجارب جميلة ومهمة على صعيد الترجمة والفنون البصرية والتجربة الشعرية والروائية، وبوسعها أن تقدم إضافة للمشهد أو لهذه الأيام لو أعطيت فرصة جيدة، ولكون هذا يمثل الجوهر في إبراز وجهنا الثقافي الحضاري. ويضيف خضر: لا أعرف ما سبب التكريس أحيانا لأسماء معينة في عدة محافل لا أقول هذا من باب الدعوة للإنصاف مثلا فهذا أمر تحسمه الوزارة، لكن لأن الثراء الحقيقي وما سيقدم الإضافة هو التنوع وإعطاء الفرصة لأسماء أخرى لتمثيل الثقافة في إبداعهم وفنونهم. ويخلص خضر للمطالبة بعدم إهمال الجيل الناشئ الذي يملك أيضا وعيا مغايرا ومختلفا بمقدوره أن يضيف شيئا لتغيير بعض الصور النمطية عن السعودية.