مسؤولية الشركات والمؤسسات تجاه المجتمع هي أمر حتمي وإلزامي لكل الشركات ذات الاستراتيجيات الفعالة؛ لضمان بقائها وتطور عملياتها وزيادة أرباحها. إطلاق عبارة خدمة المجتمع على المسؤولية تجاه المجتمع لا يقلل من وزنها أو يحيلها إلى صدقة أو زكاة. في اجتماع لي مع ممثلي إحدى الشركات تحدثوا «وهم رواد التطور الإداري والتقني السريع» عن استراتيجيات خدمة المجتمع، وأعجبني أكثر ما أعجبني تبنيهم لمحاوره الرئيسية، وهي المحور الاقتصادي والمحور الاجتماعي والمحور البيئي. أتمنى ألا تنظر الشركات إلى هذه المسؤولية على أنها مشاركة أقرب ما تكون إلى دعم أو تبرع أو صدقة، أو أعمال المقصود من تطبيقها أن تنعكس في ميزانيتهم كوزن مؤثر لأعمال معينة لها علاقة بخدمة المجتمع يمكن أن تتباهى بها هذه الشركة؛ لأن مردودها الإعلامي كبير، أو أن هذه المحاور تصبح قنوات سياسية منمقة. في الواقع فإن أي عمل يساعد على تغيير ثقافة المجتمع، ويحوله إلى ثقافة تتطور مع التطور الحضاري في المجتمع نفسه والمجتمعات المحيطة أو تلك التي تتفاعل معها، يكون دائما له الأثر الكبير وينعكس إيجابا في ميزانية الشركة وفي تاريخها وإنجازاتها، بشرط أن يكون منظارها الاستراتيجي أوسع وأشمل. أعلم أن النظافة لها علاقة مباشرة بصحة البيئة، ولها علاقة مباشرة بتطوير السلوك المجتمعي، ولها علاقة اقتصادية من ناحية ضبط وتقنين إنتاج النفايات المنزلية أو التجارية أو الصناعية أو الطبية، وتساهم في إعادة تدويرها بثقافة المجتمع المتطورة، إلا أنني وجدت نفسي فجأة أجاهد لاثبات ذلك أمام شركات كنت أمل أن تعلمنا هي ذلك، وأن تأتي بمبادرات في هذا المجال بدلا من أن نحاول نحن إثبات العمل وطريقة تنفيذه وليتنا ننجح. في التجربة المشهورة، والتي يعرفها كل السعوديين أو من عاش فترة طويلة في المملكة، خصوصا في المنطقة الشرقية يعرف الدور الحقيقي الذي يجب أن تلعبه الشركات في المجتمع، فتصنع لنفسها أمجادا ومالا وولاء وتطور ثقافة المجتمع تطورا إيجابيا. شركة أرامكو لم تنتظر حتى تأتي إليها إدارات أو هيئات حكومية خدمية أو حتى جهات خاصة لتقدم إمكاناتها وتشرح لها حاجاتها لتقدم شيئا مهما لمجتمعها، وهي تنتظر أن تتكرم عليها تلك الشركة بالموافقة لأن تقوم بواجبها وتخدم نفسها قبل المجتمع. قامت شركة أرامكو ببناء كلية وقامت بتأهيلها بكل الإمكانات، وأنشات الطرق وهيأت لها النظم المرورية، وخلقت مجموعة كبيرة من الشركات الصغيرة والمتوسطة لتؤسس لشريحة مهمة من المؤسسات، وأنشأت أسلوبا واستراتيجية لجمع النفايات وبرامج صحية وبرامج توعوية ومؤتمرات... وخلافه. لقد قامت بكل ذلك وتقدمت بنفسها لتأديتها وقيادة هذه البرامج، ولم تنتظر حتى يأتوا إليها ثم تفكر ماذا تفعل. أي أنها أخذت الريادة، فكان لرأيها وقع مهم منذ ذلك التاريخ، وبنت مصداقية ذات وزن وتأثير. فإذا كانت سلعة البترول هي سلعة سيادية، فكذلك السلعة المالية. آمل أن تتعلم كل الشركات والمؤسسات والبنوك أن تقدم للمجتمع ما تستطيع به أن تحصد لنفسها منه منافع؛ لأن الأخذ فقط دون العطاء لن يستمر إلى ما لا نهاية. عبد المجيد سعيد البطاطي