جمع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز بين صفات القائد الحصيف القادر على قراءة التفاصيل في الأمر الصغير والأمر الجلل، وبين بساطة ابن الجزيرة العربية القريب من حاجات أبناء شعبه، بالإضافة إلى كونه سليل أسرة عربية أصيلة، كان لها في شبه الجزيرة العربية، ولا يزال، مكانتها المؤثرة في التاريخ، ما أهلها لأن يكون لها دورها الفعال والمؤثر على الساحة العربية والإسلامية والعالمية، إذ عاش في كنف والده مؤسس الدولة السعودية الثالثة الملك عبد العزيز آل سعود، في عصر يفرض كل ما فيه على الإنسان الصبر والاحتمال، ونتيجة لذلك، كان للانضباط الديني والنفسي والأخلاقي دوره في تكوين شخصيته -حضورا وتأثيرا وتفاعلا-. وقد كون في مجموعه رؤيته الثاقبة التي تفرض قناعاتها بالمنطق والعقل -سلوكا وتعاملا، قولا وفعلا- وما زالت تشكل ملامحه الشخصية إلى اليوم، فعلِقت في ذهنه أحداث تلك المرحلة التاريخية المهمة في تاريخ الجزيرة العربية. لقد أثرت شخصية الملك عبد العزيز، يرحمه الله، في فكر الملك عبد الله وفي ثقافته، فقد كان الملك عبد العزيز عدو التزمت، ليس مشتطا في معتقداته السياسية ولا في أفكاره الدينية، إذ لو لم يؤمن بالعلم وبالعلماء ويفتح لهم قلبه وحدود بلاده، في ذلك اليوم، الذي خالفه فيه من خالفه، لما رأى العالم هذه البلاد بما فيها من تطور، فلولا بصيرة الملك عبد العزيز لبقي كل شيء ميتا في جوف الأرض، لكنه احتوى كل المعارضين بحكمته وسعة صدره وبعد نظره وبما يملكه من حجة، وهزم الجهل وسوء الظن وعقم الفهم؛ باستقباله كل من وفد من أوروبا آتيا وهو يحمل علوم العصر ومستحدثاته. عاصر خادم الحرمين الشريفين التطورات السياسية، وأدرك ما خلفته من متغيرات فكرية في عقل الإنسان العربي، وما أوجدته من تقسيمات جغرافية للوطن العربي والإسلامي، فبقيت تلك الدروس عالقة في ذاكرته وفي ذهنه، وهي ما يراها اليوم إحساسا بالواجب لفهم الأحداث، ومحاورتها من أجل رأب الصدع والخلافات والسعي إلى الاتفاق ونبذ الفرقة والخلافات. ورث الملك عبد الله القيادة الحكيمة والتبصر وعايشها منذ صغره إلى يومه هذا، ولذلك فهو وفي كل الوفاء للصداقات والعلاقات، ويلتزم بها التزاما أخلاقيا ولم يعرف عنه في حياته كلها أنه غدر صديقا أو نقض عهدا، فهو رجل وعيٍ والتزام، يؤمن بالحوار ويسعى إليه، الناس عنده في الحق سواسية، فلا يناصر باطلا، ولا يناصر أحدا لقوميته أو يتعصب له لقبليته، ومن فضائله أنه حساس جدا أمام دموع الضعيف والمظلوم، مناصر للعدالة، شفوق رحيم بكل البائسين، تعقد أمته آمالها عليه بناء على ما تفهمه من سلوكه ويقينها بالتزامه بنظافة هذا السلوك. ويميل الملك عبد الله طبعا لا تطبعا، إلى البساطة في العيش، فهو يرى نفسه دائما بين البسطاء من الناس، لا يعرف الكبر أو التعالي إلى قلبه طريقا، طاهر النفس، متسامٍ مع مكارم الأخلاق، يتعامل مع الآخرين بكل رحابة صدر؛ فينصت باهتمام وبكل هدوء لمحدثه، فيوحي له بالاطمئنان. إن تحدث أوجز، وإن قال فعل، سلوكه إحقاق الحق، ومناجزة الباطل. وهذه الخصائص الذاتية هي التي أهلته ليضطلع ويتحمل الدور الكبير الذي يقوم به الآن. هذا هو خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في سيرته وشخصيته، ووعيه والتزامه، في بساطته وإنسانيته منقطعة النظير، جعله الله ذخرا لهذا الأمة، وأمد في عمره وأثابه عما يقدمه للإسلام والمسلمين في كافة أصقاع الأرض. * مستشار النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية