راشيل الأنثى وكوهين الذكر كانا إلى عهد قريب من أكثر الأسماء اليهودية شهرة وتداولا على الإطلاق، فبمجرد ذكر أحد هذين الاسمين بأي لغة وفي أي مكان في العالم تعرف أن الحديث يدور حول يهود أو إسرائيليين. ولكن للأقدار تدابير لا يعلمها إلا مدبرها ليأتي يوم يرفض فيه ضباط وجنود البحرية الإسرائيلية ذكر اسم راشيل رفضا قاطعا، متناسين أن راشيل ربما كانت بالنسبة لبعضهم الأم أو الزوجة أو الابنة أو حتى الصديقة. فأثناء الاتصال بسفينة الحرية (راشيل كوري) التي اقتيدت قبل بضعة أيام مثل سابقاتها من السفن التي حاولت كسر حصار غزة، رفض ضباط الاتصال الإسرائيليين ذكر اسم السفينة المسجل رسميا في سجلات منظمة الملاحة البحرية العالمية تحت الرقم (أي إم أو 6715281) وأصروا على اسمها القديم الذي كانت تحمله قبل انتقال ملكيتها إلى ملاكها الحاليين وهو (موتور فيسيل ليندا). فما الذي جرى لتصبح راشيل منبوذة ويصبح مجرد ذكر اسمها يشكل مزيدا من التلويث للفم الإسرائيلية الملوثة أصلا، وضجيجا في الآذان الصماء التي اعتادت ألا تميز من الأصوات، في العادة، سوى أزيز الرصاص وأصوات الانفجارات وصرخات الثكلى والمتوجعين؟! سفينة راشيل كوري تحمل اسم الناشطة الأمريكية (راشيل كوري) التي (استشهدت) دهسا تحت عجلات جرافة إسرائيلية يوم 16 مارس 2003م وهي تحاول أن تمنع بجسدها الجرافة التي كانت تمعن هدما في أحد بيوت الفلسطينيين في رفح في قطاع غزة. ولكن الأوامر كانت واضحة لدى سائق الجرافة بإكمال مهمته دون الاهتمام بأية اعتبارات أخرى بما فيها الأرواح البشرية البريئة فقام بجرفها رغم أنها كانت تقف حسب شهادة الشهود فوق تل من الدمار أمام المنزل المهدم وتلوح بيديها وتصرخ بأعلى صوتها في أذن السائق الذي لا يرى ولا يسمع ليجرف جسدها الفتي الضعيف الذي لم يتجاوز ربيعه الثالث والعشرين لحظة اختلاط لحمها ودمها بدمار البيت الفلسطيني الذي كانت تحاول أن تحميه. ولعله كان من حسن حظ العالم وسوء حظ الراحلة في نفسaلوقت أن هذه الراشيل على وجه التحديد لم تكن يهودية. فمن حسن حظ العالم ألا تتحول واحدة ممن يحتلون فلسطين ويسفكون دم أهلها إلى رمز عالمي للصمود بتضحيتها بحياتها في سبيل حماية بيت تخلى عن حماية أهله الناس أجمعين بمن فيهم بنو قومها، ومن سوء حظها أنها كانت من عائلة مسيحية لا يجمعها باليهود سوى الاسم ليكون ذلك كافيا للتعتيم الإعلامي على قضيتها ولتغلق في وجهها كافة القنوات الأمريكية الرسمية التي تقيم في العادة الأرض ولا تقعدها إذا ما تعرض أمريكي أو أمريكية لأي أذى في أي بلد غير إسرائيل، وذلك لأن حكومة (بوش) الابن التي كانت تحضر لاحتلال العراق بعد أيام من الحادثة كانت تتميز غيظا من مشهد راشيل كوري وهي تقود مظاهرة لأطفال المخيمات الفلسطينيين الفقراء يوم 15 مارس 2003م، أي قبل مصرعها بيوم، وترفع خلالها العلم الأمريكي وهو يحترق بين يديها. فهل كان مصرعها يوم 16 مطلبا أمريكيا أيضا!؟ لأن أقصى ما تمكنت أسرتها من الحصول عليه بعد مصرعها نصيحة من شخص ما في وزارة الخارجية ربما كان ساعيا أن تلجأ للعدالة الإسرائيلية وتقاضي الجيش الإسرائيلي أمام محكمة إسرائيلية. وبالفعل أقامت العائلة قضية منذ خمس سنوات على الجيش الإسرائيلي في إحدى المحاكم الإسرائيلية في حيفا/ شمال الوطن المحتل لإبعادهم عن القدس والأضواء مطالبة بمواجهة المسؤولين في الجيش الإسرائيلي بمن فيهم سائق الجرافة التي قتلتها لشهود العيان والصحفيين الذين حضروا الواقعة المؤلمة أمام المحكمة. ومع رفض الجيش الإسرائيلي الكشف عن اسم السائق أو أي من الضباط الذين أصدروا أوامرهم إليه، عقدت جلسة للمحكمة في مارس الماضي أي بعد مرور سبع سنوات طوال من مصرع راشيل ليفاجأ الجميع باعتراضات قدمها محامو الدفاع عن الجيش الإسرائيلي قبلها القاضي على الفور لمزيد من المماطلة والتسويف في القضية حسب تصريحات محامي عائلة الضحية. ورافق وجود والدي راشيل في الأرض المحتلة حملة إعلامية مركزة لإظهارهما بمظهر الفريق الدعائي المعادي لإسرائيل، مع تصريحات لناطق باسم الجيش الإسرائيلي بأن نداءات وجهت إلى كافة من كانوا يتواجدون في الموقع الذي شهد الحادثة بالمغادرة الفورية وقنابل دخانية أطلقت لإبعادهم، ولكن الضحية لم تستجب لها وبالتالي هي مسؤولة عما جرى لها. بقي أن نعلم أن شهيدة الإنسانية والقضية الفلسطينية راشيل كوري التي اختلطت دماؤها البريئة بثرى فلسطين الطاهر الذي تدنسه قوى البغي والاستكبار العالمي قدمت إلى غزة بعد أن أوقفت دراستها الجامعية لمدة عام لتتمكن من الوقوف على حقيقة القضية التي تم تشويهها تشويها منهجيا في أجهزة الإعلام الأمريكية على إثر تفجيرات 11/9 في نيويورك وواشنطن. وما أن رأت عيناها الحقيقة العارية المرة لشعب بريء يذبح على أيدي قتلة محترفين بسلاح أمريكي وبمباركة من حكومات بلدها المتواطئة مع الاحتلال الظالم على مر العقود والأزمان حتى ثارت على كافة المسلمات المضللة التي حاولت الماكينة الإعلامية الغربية الرهيبة زرعها في أذهان الناس فقادت المظاهرات ودافعت عن الحقوق الفلسطينية حتى ضاقت كافة الأطراف ذرعا بها وبمواقفها الحرة لينهوا حياتها الفتية القصيرة على مذبح فلسطين تحت أنقاض بيت فلسطيني مدمر. وسواء حصلت عائلة راشيل كوري على حقوق ابنتها أو حرمت منها حسب المتوقع والمعتاد ستبقى راشيل المكروهة إسرائيليا رمزا إنسانيا مشعا في سماء الإنسانية للإرادة الحرة ولصمود الشعب المذبوح ولتحدي الهيمنة الصهيونية العالمية التي عجزت وستعجز عن حجب اسم راشيل من الارتفاع في سماء المجد من خلال سفينة أيرلندية أو فيلم سينمائي فرنسي أو مسرحية انجليزية أو موقع إلكتروني أو مبنى تذكاري. وستجد راشيل الأمريكية شهيدة الإنسانية والعدالة والتحرر وكل شهيدة مثلها عبر الأزمان مكانا في قلب كل من يحمل في قلبه ذرة من الإنسانية، فالإنسانية لا تنسى شهداءها وتنصفهم رغم التعتيم ورغما عن الطغيان والطغاة، فمازلنا وسنظل نذكر الآن وفي كل أوان جان دارك، ونور العابد رضيعة الأيام الثلاثة الغزاوية التي لم تشفع لها طفولتها البريئة في النجاة من رصاصات الحقد والهمجية الإسرائيلية.. وراشيل كوري. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 130 مسافة ثم الرسالة