لم يجد بدا من أن يقابل هجرها له بهجر مماثل، انتفض غضبا بعد أن كان قد تذلل لها طويلا، وقرر البحث عن مدينة أخرى ولسان حاله يقول: وعلى إيه ذا كله.. والله رضينا بالهم والهم ما رضي بنا. متأخرا اكتشف أن حبه لمدينته جدة كان حبا من طرف واحد، ومتأخرا جدا اكتشف أن المدينة الساحلية التي قررت أن تكون عروسا للبحر قبلت بعرسان آخرين تقدموا لها حين أغرتها قيمة الصداق المقدم لها فوهبتهم مخططاتها وفللها وقصورها، ولم تبخل على نصف الأكفاء منهم بشقق يؤوون فيها من يعولونهم، أما هو فقضى سنوات عمره وعمله منتظرا أن تبادله هذه العروس حبا بحب، ولم يجد منها غير الهجر وانتهى أمره معها طريدا ينتقل من شقة للإيجار إلى شقة أخرى كلما طاب له مقام بدا لصاحب الشقة أن يرفع قيمة الإيجار، فيقبل صاغرا حينا وحينا يغادر بحثا عن مكان آخر يوفر له من راتبه ما يكفي لإطعام أبنائه، حتى طاف أركان جدة الأربعة ولم يبق حي إلا وكان واحدا من سكانه لفترة يتحكم في طولها وقصرها صاحب البيت الذي يستأجره. مكافأة نهاية سنوات الخدمة التي شارفت على الثلاثين عاما، والتي علق عليها آمالا عريضة من أول يوم باشر فيه وظيفته، لم تكن توفر له قيمة شقة بائسة في حي بائس، وفطن إلى أن معاش التقاعد الذي سوف يتقاضاه لا يمكن أن يوفر له حتى الحياة التي كان يحياها متشردا بين الشقق، وكان أعقل من أن يفكر في شراء أرض وبناء بيت عليها، وقيل أنه نصح أبناءه بعدم التفكير في شيء من هذا لكي لا يشعروا بإحباط يلازمهم سنوات عمرهم ويسكن معهم قبورهم بعد ذلك. حزم صاحبنا أمره وتوجه إلى ينبع، وقيل حائل وقيل بل تبوك، فلا أحد يعرف أين ذهب غير أن الرواة تناقلوا خبرا مؤكدا يقول أنه بالمبلغ الذي لم يكن يوفر له قيمة شقة في جدة اشترى عمارة من دورين في المدينة التي ذهب إليها، سكن في واحدة من شققها وأجر الشقق الثلاث الأخرى، وقيل أنه لا يفتأ يردد كلما جاء ذكر جدة: والله ما أعرف إيش مصبر الناس عليها؟ [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 165 مسافة ثم الرسالة