دشنت حادثة (م. ع) المجاهر بالمعصية على برنامج «أحمر بالخط العريض» نمطا جديدا لتفاعل الرأي العام في مجتمعنا وتجاوزه مرحلة «التلقي» إلى مرحلة «ردة الفعل»، في السابق كانت الوسائل الإعلامية تتعامل مع جمهورها وفق قاعدة التلقين، وهذا عصر قضى نحبه أمام المعطيات الإعلامية الأخرى التي أصبحت لا تنتظر قبول أو رفض وسائل الإعلام لمضمونها، وهذه أبرز سمات «الإعلام الجديد». القناة الأمريكية العالمية «M.TV» التي أطلقت نسخا من قناتها بلغات العالم ومنها العربية، عرضت الأسبوع الماضي ضمن سلسلة برنامجها «True Life» ذي القصص الخبرية حلقة مطولة عن عوالم الجيل الجديد، واختارت جدة ميدانا لانتقاء خمسة من الشباب وفتاة واحدة لرواية قصصهم وتجاربهم في عالم يضج بالمثاليات ويرفض التوقف عند خانة الحقائق. عزيز وفاطمة وأحمد وماجد قائد فرقة الروك آند رول تحدثوا بحضور بعض ذويهم عن الهم الذي يختلج في نفوسهم، وكل فرد طرح رأيه في ممارسة ما يراه حقا مشروعا له، والآراء بطبيعتها عرضة للاتفاق والاختلاف ومنا من يجانبه الصواب في رأيه وفي المقابل قد يكون حليفه وفقا لظرف الزمان والمكان، إلا أن عاصفة استثارها البرنامج اعتراضا على مضمونه مع حديث جاد عن رفع دعاوى قضائية على المشاركين في البرنامج بحجة «تشويه المجتمع السعودي» وهو ما يذكرني بموقف تعرضت إليه عام 2002 عندما كنت أصور فيلما وثائقيا عن «عمالة الأطفال» في مصر القديمة عند جامع عمرو بن العاص، حين ألقت المباحث المصرية القبض عليّ مع فريق العمل واقتادتنا إلى التحقيق ومصادرة الأشرطة رغم تصريح التصوير المسبق، وكانت الحجة «ومن أنت حتى تتعمد تشويه صورة المجتمع المصري؟». الإعلام مساحة للتعاطي والتفاعل تنتهي مهمته بالعرض، وبعدها يبدأ شأن المتلقي في تمييز غث الطرح من سمينه، وما يثير عجبي هو امتلاكي لثلاث حلقات محلية تحدثت عن نفس مضمون الحلقة مثار الجدل، عن فرق الروك آند رول في الرياض ومزاولة الفتاة لنشاطها التجاري في خياطة «العبايات» الملونة وتمكين المرأة من ممارسة نشاطها التطوعي في مؤسسات المجتمع.. ولم أجد المشير إليها ولو على سبيل الاعتراض، فهل هناك انتقاء بين كشف واقعنا على قناة محلية وأخرى أجنبية؟!. لسنا مجتمعا ملائكيا والوقائع سلبية كانت أو إيجابية هي حق مشروع للتداول، وأمامها لا مكان للمنزوي في خانة «ردة الفعل» بدلا من ابتدار الأفعال وتقديم الصورة التي يراها حقيقية، نعم قد تحتمل المكاشفة ألم السلبيات ومخالفة الواقع، لكنها شجاعة تفتح نافذة النقاش والتأمل بدلا من خيار «الانكفاء إلى الداخل». [email protected]