قد يتصور البعض أن غاية الانتفاع من التراث هو إحياء التاريخ والحفاظ على الهوية، وفي الواقع لو أن الأمر كان كذلك وحده، لحق لنا أن نعتبر تلك الغاية من الغايات العظمى التي تستحق العمل الجاد من أجلها والحرص على بلوغها، فالحفاظ على الهوية ورعاية تاريخ الأمة وآثارها قيمة كبيرة في حد ذاتها تستحق التقدير، إلا أن الأمر ليس كذلك، فهذه ليست الغاية الوحيدة من الحفاظ على التراث والاعتناء به، هناك غاية أخرى غيرها، وهي الاستثمار الاقتصادي، فالتنمية التراثية جزء من التنمية الاقتصادية، والاعتناء بالآثار والحفاظ عليها لم يعد مجرد احتفاظ بالتاريخ والهوية ودعم الانتماء، وإنما أيضا بات مشروعا استثماريا للسياحة يمكن أن يشكل عائدا اقتصاديا جيدا متى أحسن استثماره. ولعلنا في غنى عن القول إن صناعة السياحة تعتمد في جزء منها على الاعتناء بتطوير التراث وحمايته ومعالجة مشكلاته، والتراث العمراني أحد أشكال التراث وتطويره لا يتم بشكل اعتباطي، فهو علم واحتراف ومهارات ابتكارية فكريا وتقنيا، كما أن معالجة المشكلات التي تواجه الاحتفاظ به ليست أمرا سهلا. فأحيانا، يدفع التمدد السكاني والرغبة في التوسع السكني أو الاستثماري إلى التعدي على بعض المباني الأثرية للاستفادة من مساحاتها الأرضية، وأكثر ما تبرز هذه المشكلة لدينا في المناطق المقدسة، وبالذات ما يحيط بالحرمين الشريفين في مكة والمدينة، حيث تقتضي الحاجة التوسعة المستمرة للحرمين والمناطق المحيطة بهما من أجل استيعاب الأعداد المتنامية من المسلمين المرتادين لهما، وحين تظهر بعض المباني الأثرية تنتصب في وجه مشاريع التوسعة يحدث صراع من تنازع الرغبات ما بين الاحتفاظ بالآثار، والهدم لها للمضي في الامتداد والتوسع. ومثل هذه القضايا الضخمة يحتاج إلى التعاون المعرفي بين المختصين بهذا الشأن لتبادل المعلومات والأفكار والأساليب الأفضل لإيجاد الحلول المناسبة لتلك المشكلات. وفي هذا الإطار جاء تفكير الهيئة العامة للسياحة والآثار في إقامة مؤتمر دولي عام يعنى بالتراث العمراني في الدول الإسلامية، وهو مؤتمر ضخم جدا افتتح يوم الأحد الماضي في مدينة الرياض، ويشارك فيه عدد كبير من الباحثين المختصين في مجال العمارة والعمارة التراثية من مختلف أنحاء العالم، ويصاحبه معرض يضم أجنحة لعدد من الدول العربية والإسلامية وبعض الشركات الوطنية والعالمية المتخصصة في مجال تطوير المناطق التراثية العمرانية، كما يشمل عروضا للحرفيين من مختلف بلدان العالم للتعريف بالتقنيات الحديثة في إعادة تأهيل المباني التراثية. إن الاستفادة من إقامة مثل هذا المؤتمر لا تنحصر في المختصين فقط، وإنما هي تصل للعامة أيضا، فمثل هذه المؤتمرات تسهم في لفت أنظار الناس إلى آثارهم وأهميتها وقيمة الحفاظ عليها، فينتشر بينهم مفهوم جديد عن قيمة التراث وقيمة الحفاظ عليه، وهي قيم جديدة على العامة وفي حاجة إلى من يدعمها ويرسخها في أذهانهم. إن نشر ثقافة احترام التراث والحفاظ عليه، هي من أهم وجوه دعم الاعتناء بالتراث، ولو نجحت الهيئة في تحقيق هذه الغاية لعد ذلك إنجازا من أبرز إنجازاتها. فاكس 4555382-01 للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة