أشار عدد من المختصين في التراث والمعمار من الذين شاركوا في المؤتمر الدولي الأول للتراث العمراني في الدول الإسلامية الذي اختتم أعماله مؤخرًا في الرياض، إلى أن المؤتمر اتسم بشمولية وتنوع فعالياته، واصفين إياه بأنه كان بمثابة حملة عالمية تعريفية بالتراث العمراني الإسلامي. جاء ذلك في سياق التصريحات التي أدلوا بها على هامش المؤتمر الذي نظمته الهيئة العامة للسياحة والآثار، مشيرين إلى إنهم فوجئوا بالخبرات السعودية المتراكمة في مجال التراث العمراني. مؤكدين أن المؤتمر عكس حالة النضج الثقافي والاقتصادي والسياسي التي تعيشها السعودية، وأنه أسهم في إعادة تثقيف المجتمع، ووضع التراث العمراني كأولوية وطنية، حيث أصبح الجميع يتحدث عن التراث العمراني وأهميته الثقافية والاقتصادية، كما نبّه المؤتمر إلى أهمية وضع برامج توعوية وتعليمية تُعني بهذا الإرث المهم. حيث لم يكن حدثًا اعتياديًّا في ظل الظروف الإقليمية والدولية والأوضاع التي تعيشها الأمة الإسلامية، كما نبهوا إلى الأهمية الاقتصادية للسياحة الأثرية ودورها في التنمية وتوفير فرص العمل، وتحقيق دخول كبير للدول التي تهتم بهذا النوع من السياحة. جرس التنبيه حيث يقول عضو مجلس التنمية السياحية في الطائف أحمد العبيكان: حقق المؤتمر الدولي الأول للتراث نجاحًا كبيرًا في نشر الوعي بالتراث، كما أن فكرة إقامة فعاليات مصاحبة للمؤتمر في المناطق والمحافظات كانت رائعة. وأستطيع التأكيد في ضوء هذا المؤتمر أنه أصبح لدينا وعي ثقافي تجاه العمارة، وهذا الوعي من المؤكد سيكون له تأثير كبير في المستقبل، وأعتقد أن الهيئة نجحت في نشر الوعي حول التراث العمراني. وسيكون لهذا المؤتمر دور كبير في الحفاظ على التراث والهوية الوطنية، فالتراث العمراني يشكّل رافدًا محسوسًا في هوية أي بلد، مع الأخذ في الاعتبار أن اتساع مساحة المملكة أوجد بانوراما في المباني، بسبب اختلاف المناخ ومواد البناء والحالة الاقتصادية والعادات. وأشير هنا إلى أن المحافظة على هذا الموروث العمراني جزء من هوية بلادنا، إذ إن العناية به تمثل معنى من معاني الربط بين الأجيال المتعاقبة بتاريخهم ووجودهم وقدراتهم وإسهامهم. إذ يمكننا ترسيخ هذه الهوية بنشر الوعي في المجتمع، خصوصًا لدى الصغار والشباب، بقيمة التراث العمراني، وإظهار خصائصه وإعادة تأهيله، بل وتعميق ذلك بزيارة هذا التراث، وإقامة المهرجانات المتعددة في المواقع الأصيلة. وختم العبيكان حديثه قائلاً: لقد كان المؤتمر بمثابة جرس تنبيه لرفع مستوى الوعي بالتراث العمراني، ووضع برامج توعوية وتعليمية لمختلف شرائح المجتمع تُعني بالتراث العمراني. تعزيز الهوية الإسلامية وأوضح الدكتور منصور النزهة مدير جامعة طيبة أن فعاليات المؤتمر الدولي الأول للتراث العمراني اهتمت بعدد من الجوانب التي تعزز الهوية الإسلامية والاعتزاز بها، حيث شدد على أهمية العناية بالتراث، باعتبارها محافظة على الهوية الإسلامية والتطور الحضاري الذي عاشته الدول الإسلامية عبر التاريخ. ماضيًا إلى القول: المؤتمر أكد على دور المملكة الريادي في كل ما من شأنه تعزيز الهوية الإسلامية والمحافظة عليها والاعتزاز بها، كما أنه أسهم في تنمية الوعي بأهمية التراث العمراني ودوره في الحفاظ على الهوية، كما نبّه إلى أهمية المحافظة على الآثار وترميمها وإعادة تأهيلها وتقديمها منتجًا سياحيًّا واقتصاديًّا. نشر المفاهيم الصحيحة أوضح مدير الإعلام التربوي والعلاقات العامة بالإدارة العامة للتربية والتعليم للبنين بمنطقة المدينةالمنورة علي عبدالرحمن العمري، أن المؤتمر أكد أهمية الاهتمام بالتراث العمراني باعتباره ضرورة وطنية وحضارية، تسهم بشكل ملموس في تفاعل المجتمع وحيويته، وتمسكه بعناصر هويته ومكامن قوته وتميزه. مضيفًا: إن الجهود التي تضطلع بها الهيئة العامة للسياحة والآثار في خططها وبرامجها وتطلعاتها المستقبلية في خدمة التراث العمراني أسهمت في إيجاد وعي مجتمعي بمفهوم العناية بالتراث العمراني والمحافظة عليه وتطويره. كما أن منطقة المدينةالمنورة حظيت بجانب كبير من الجهود التي بذلتها الهيئة في هذا المجال، وعلى سبيل المثال محطة سكة حديد الحجاز، والبلدة القديمة في محافظة العلا، والواجهة البحرية في مدينة ينبع، باعتبارها تمثل موارد اقتصادية مهمة. فهذا المؤتمر رفع من مستوى إدراكنا لأهمية الدول الإسلامية بتراثها العمراني، ونبه لضرورة غرس قيم المحافظة على التراث في نفوس نفوسنا ونفوس أبنائنا، على أن ينعكس ذلك في صورة سلوكيات، في حين تقوم الدول بتقديم الدعم والتمويل لصيانة وتأهيل الآثار والمحافظة عليها. وذكّر العمري في خاتمة حديثه إلى أن المؤتمر ساعد في نشر المفاهيم الصحيحة عن التراث العمراني، ولعب دورًا توعويًّا مهمًا في التعريف بالتراث وقيمته الثقافية والاقتصادية، وساعد على بث الشباب في تراث الأمة الإسلامية. نضج ثقافي واقتصادي واعتبر الكاتب الصحفي الدكتور عدنان بن عبدالله الشيحة أن المؤتمر الدولي عكس حالة النضج الثقافي والاقتصادي والسياسي التي تعيشها السعودية، مشيرًا إلى أنه لم يكن حدثًا اعتياديًّا في ظل الظروف الإقليمية والدولية والأوضاع التي تعيشها الأمة الإسلامية. وأوضح أن الهيئة العامة للسياحة والآثار نجحت من خلال المؤتمر في تحقيق حزمة من الأهداف المباشرة وغير المباشرة، من أهمها طرح أفكار تسهم في رفع سقف الاهتمام بالتراث العمراني. ووصف الشيحة المؤتمر بأنه علامة بارزة في طريق استثمار الإرث العظيم للأمة الإسلامية بنظرة واعية تزاوج بين الثقافة والمردود الاقتصادي،لافتًا إلى أن المؤتمر شدد على أن السياحة التراثية هي أحد القطاعات الاقتصادية الأكثر نموًّا في الإنتاج وتوفير الوظائف، لأنها تقدم خدمات ومنتجات فريدة من نوعها. كما شدد على الأهمية الاقتصادية للسياحة التراثية، فهي تضخ في اقتصاد بريطانيا على سبيل المثال 12 مليار جنيه سنويًّا، وتلعب دورًا كبيرًا في تخطي الأزمة المالية، كما أن أربعة من بين كل عشرة سياح من العشرة ملايين سائح الذين يأتون لبريطانيا سنويًّا يأتون بدافع السياحة التراثية. تراث كبير ووصف وزير السياحة السوري الدكتور المهندس سعدالله آغا القلعة المؤتمر بأنه "انطلاقة جديدة لتقدير قيمة التراث العمراني في المملكة العربية السعودية، وهو تراث كبير، بسبب العمق الحضاري والتاريخي للمملكة". مضيفًا: إن المؤتمر منح فرصة للباحثين لنقل خبراتهم في موضوع التراث العمراني، كما أسهم في إطلاع المشاركين على الجهود الكبيرة التي قامت بها الهيئة العامة للسياحة والآثار في الحفاظ على التراث العمراني ثم تطويره لتقديمه للزوار. مشيدًا بتميز مؤتمر التراث العمراني بالعديد من المحاضرات التي قدمها باحثون، بالإضافة إلى النشاطات المقامة في مختلف مناطق المملكة. تبادل الخبرات من ناحيتها، أكدت وزيرة السياحة والآثار الفلسطينية الدكتورة خلود دعيبس، أن مؤتمر التراث العمراني في الدول الإسلامية لعب دورًا كبيرًا في تبادل الخبرات المتراكمة، وخاصة أنه التجمع الأول الذي يعقد في هذا المجال. قائلة: إن أعمال المؤتمر تناولت قضية الحفاظ على التراث الثقافي والعمراني في فلسطين وفي مدن إسلامية وعالمية مثل القدس، وحمايته من الاحتلال المتعمد، فالمؤتمر كان مناسبة مهمة لنا على المستوى الشعبي للبحث عن إمكانية الدعم وتحديات الحفاظ على التراث العمراني. وأعربت دعيبس عن شكرها لصاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز على المبادرة الخلاقة لدعوة الخبراء والقادة الرسميين، لبلورة هذا الفكر الدولي المشترك، مشيرة إلى أن السعودية فاجأت المشاركين بايجابية الخبرة المتراكمة. حماية المواقع الأثرية كذلك أوضحت هناء علم الدين المهندسة المعمارية والمشرفة على جناح الجمعية المعمارية اللبنانية، أن المؤتمر أعطى دافعًا لحماية المواقع الطبيعة والأبنية القديمة في الدول العربية والإسلامية. ولفتت إلى أن المؤتمر هدف إلى تجسيد الهوية الإسلامية والمسؤولية الدولية للحفاظ عليها، في ظل ضغوط الانفتاح، داعية إلى أهمية بذل المزيد من الجهود للحفاظ على هذا الإرث العلمي والفكري والعمراني، لأنه حضارة عريقة تخالف الفكر السائد عن الدول الإسلامية مثل الإرهاب. مشيدة بالمؤتمر وفعالياته باعتباره الأول من نوعه من حيث الشمولية والإرث المعلوماتي العمراني والتكاملي بين القطاعين العام والخاص.