إن القيم الدينية تتسم في كليتها بالحكمة، والمشاركة والتعاون والتكامل، والتكافل، والنهوض التربوي، والمنهجية العلمية، والتطور التقني، والإصلاح الاقتصادي وبناء الشخصية الإسلامية المتوافقة السوية المدعومة بالإيمان اليقيني الكامل، واتباع السلوك المفضي للخير قصدا ونية وقولا وعملا. وإن القيم مخرج من مخرجات العقيدة التي تصبغها بصبغتها وتحددها وتتحول لدى الفرد في واقع سلوكي، وهي تحكم السلوك وتوجهه وتضبطه، والعقيدة في المفهوم هي التوحيد. والتوحيد أساسه، أن الله وحده هو خالق هذا العالم والمسيطر عليه وواضع قوانينه التي ينتظم سيره بموجبه. وهو المشرع له، وليس في الخلق من شاركه أو ينازعه في خلقه ولا في حكمه، ولا من يعينه في تصريف أموره، فهو المتفرد بالحكم، وهو الذي بيده النفع والضر وحده لا شريك له «قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون». هذا هو أساس فكرة التوحيد في العقيدة المجرد في كل شريك، والمصدر الأساس في فكرة التوحيد في التشريع ليس إلا الكتاب والسنة. هكذا تكون العقيدة – وكما يراها علم الاجتماع الديني- إنها بمثابة الغذاء الروحي والفكري للإنسان، وتشبع حاجته للهدوء والسكينة والتوازن في الاستقرار النفسي والاجتماعي، لتزكية دافع التدين والارتباط بالخالق سبحانه، وأنها عامل ضبط للسلوك الإنساني، ومصدر التزام الفكر، وأساليب العقل ومضامين المعيارية وتوجيهات تشكيل النظم الاجتماعية وصياغة المعرفة والرأي وعلاقات التواصل الجمعية والشخصية وتوجيه سلوك الإنسان الخارجي والداخلي الدافعي والقيمي والمعياري. على هذه الوتيرة كان درب الوهابية، حيث ارتكزت دعوة قائد النهضة الدينية الإسلامية الحديثة في جزيرة العرب الشيخ محمد بن عبد الوهاب على ركيزتين أساسيتين هما: 1- لا معبود إلا الله الواحد الأحد الفرد الصمد، وأن محمدا رسول الله، وهو بشر مستثنى لكونه فوق مستوى كل البشر، فلا غلو في تمجيده لدرجة قد تخرجه عن نطاق طبيعته البشرية. 2- الركيزة الثانية في الدعوة الوهابية، هي النهي عن عبودية أي من الأولياء، فهم في قبورهم لا يملكون لأحد نفعا ولا ضرا فلم الاستغاثة بهم وبمددهم، ولم التبرك والتمسح وتقبيل الأعتاب؟ ولذا كان نهي الشيخ عن المزارات وأمر بهدم الأضرحة والقباب، وحارب البدع والخرافات. من هذا يتضح، أن هذا ينسجم مع ما أوضحه صاحب السمو الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض في أكثر من مناسبة «أن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب هي دعوة إحياء قيم الإسلام الدين الحق وتطهيره من القيم الدخيلة عليه، وإذا لم تخني الذاكرة أن سموه سبق وأن قال بأننا نفتخر بالدعوة الوهابية التي تعتمد على مذهب السلف الصالح»، وأنا أقول فعلا هذا شرف لنا جميعا وخاصة منطقة «نجد» وكان الواقع الاجتماعي العربي الذي شهد وقائع جاهلية تحتاج إلى الإصلاح، وهنا ما قرأه الشيخ محمد بن عبد الوهاب في الواقع الضمني والموضوعي لجزيرة العرب، وخرج من قراءته برؤية ثاقبة لتصحيح الأوضاع والقيم الدينية التي انتشرت في ربوع البلاد. ويجدر بنا القول إن الدعوة الوهابية لم تكن ذات توجه خاص للشيخ محمد بن عبد الوهاب، أو أنه رأي شخصي من بنات أفكاره، أو رؤية حداثية واقعية، بل هي وليدة فكر وفقه ومذهب الإمام أحمد بن حنبل –رحمه الله- ووفق عقيدة السلف الصالح في فهم الدين وتفسير آياته وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وتبعا لتفسيرات العلامة ابن تيمية وتلاميذه دون تطويل أو تبسيط أو إضافة عليها أو اختصار فيها. وهكذا كانت دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في الجزيرة العربية إلى إعادة رفعة ومجد الإسلام والتوجه إلى الله بقلب سليم، والأخذ بمنهج الشريعة والسنن، والمضي بتعقل وفهم في طريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والسعي – بثقة وأمانة- في طلب الدين والدنيا كما جاءت في القرآن الكريم والسنة المطهرة. وهذا ما تسير عليه المملكة العربية السعودية، مما جعل المجتمع السعودي صافي العقيدة، فلا تمسح بأضرحة الأولياء وتقديسهم، ولا طلب العون والمساعدة إلا من الله سبحانه وتعالى.