على الرغم من الحديث الطويل نحو تحسين أوضاعها في الآونة الأخيرة، إلا أن بعض دور الرعاية الاجتماعية شهدت أحداث عنف متتالية في الآونة الاخيرة وصفها البعض بالشغب وتحولت الاسباب إلى كرة ثلج تم فيها تبادل الاتهامات بين جميع الأطراف، ففي حين تشكو الفتيات من عنف وسوء معاملة، تحاول المسؤولات نفى ذلك والتأكيد على أن ظروف الفتيات وطبيعة مشاكلهن هي المؤثرة على سلوكهن وتعاملهن. وتنتقد جهات مختصة كحقوق الإنسان مباني دور رعاية الفتيات لعدم ملاءمتها لظروف النزيلات وعدم توفر الانشطة المناسبة التي تمتص طاقة الفتيات فيما يعود عليهن بالنفع والفائدة. “المدينة” تفتح ملف هذه الدور لتناقش ابرز الاحداث التي دارت في مؤسسة رعاية الفتيات وبيت الطفل للأيتام ومبنى دار التربية الاجتماعية لذوي الظروف الخاصة. تقول نسرين عبدالعزيز (24) عامًا إحدى الفتيات التي كانت ترعاهن الشؤون الاجتماعية من ذوات الظروف الخاصة أنها لم تهرب من مؤسسة رعاية الفتيات بمكةالمكرمة بعد أن تخلت عنها الأسرة، التي كانت تحتضنها. وأوضحت أن التعامل السيئ من قبل الأسرة الحاضنة وتخليها عنها هو السبب في تركها المنزل والبحث عن منزل مستقل، مشيرة إلى أن إحدى المشرفات السابقات في مكتب المتابعة أخذتها إلى جدة لمقابلة مديرة الإشراف الاجتماعي نورة آل الشيخ ولكنها لم تتمكن من الدخول إليها بحجة انشغالها فأمرت بإدخالي إلى مؤسسة رعاية الفتيات بمكة. وأضافت: مكثت في المؤسسة خمسة أيام، وخيرتنى إخصائيتان بين البقاء في المؤسسة أو الرجوع إلى الأسرة، ونظرًا لخوفي من البقاء في المؤسسة فضلت العودة إلى الأسرة لأنها مفري الوحيد للخروج من المؤسسة التي أدخلت إليها بدون جرم، مشيرة إلى أن الأسرة رفضت استلامها بحجة عدم وجود مال لدي وأنها اضطرت إلى المكوث عند أحد الجيران حتى الصباح وبعد ذلك ذهبت إلى مديرة الإشراف الاجتماعي والتي قالت لي أنت هربت من الدار وسوف يحسب عليك هروب. وأبانت أنها حاولت أن تجد أسرة حاضنة جديدة لها، ولكن لم تجد نظرا لتخلي الشؤون الاجتماعية عنها، مما اضطرها إلى الذهاب عند إحدى قريباتها ومن ثم اضطرت إلى البحث عن منزل خاص بها يؤويها ويحميها، مشيرة إلى أن السبل ضاقت بها بعد أن رفض مكتب المتابعة الاجتماعية تسليمها بطاقة الصراف الآلية للاستفادة من الإعانات المادية التي تقدمها الوزارة لهذه الفئة وأنها اضطرت إلى الذهاب إلى مدير إدارة المتابعة بوزارة الشؤون الاجتماعية الدكتور محمد الحربي في مدينة الرياض لشرح معاناتها إلا أنها لم تجد آذانًا صاغية لها. ولفتت إلى أنها اضطرت إلى العمل كخادمة في منزل إحدى الأسر براتب شهري قدره (650) ريالا فقط لتسديد التزاماتها المادية تجاه إيجار الشقة وتكلفة دراستها في إحدى الكليات الصحية الخاصة وأنها لا تريد سوى حقها الذي كفلته لها الدولة والمتمثل في تسليمها بطاقة الصرف الآلية. مضاربات بين النزيلات الدكتورة نورة الاصقة المديرة السابقة لمؤسسة رعاية الفتيات بمكة وعضو هيئة التدريس بقسم الخدمة الاجتماعية بجامعة أم القرى قالت: تقبل دور الملاحظة الذكور من 7 حتى 18 عاما ممن اقترفوا جنحة أو جريمة، بحيث يتم إيداعه حتى محاكمته وتقبل دور التوجيه الاجتماعي الذكور أيضا من نفس السن من المارقين على سلطة والديهم أو القابلين للانحراف ولكن ليس لديهم قضية تستحق المحاكمة ويودع في الدار حتى يتحسن سلوكه ثم يسلم لأهله. وأضافت: مؤسسة رعاية الفتيات تقبل الإناث فقط من سن 7 سنوات إلى30 سنة سواء كن فتيات أو متزوجات أو أرامل أو مطلقات، ولا بد أن تودع الدار بقضية جنحة أو جريمة وبعد أن تكمل 30 سنة تحول للسجن العام لقضاء محكوميتها إذا لم تنته. وأوضحت: يجب ألا ينطبق على الصغار ما ينطبق على الجانحين من ذكور وفتيات إذ لم يقترفوا جرما يعاقبون عليه، مشيرة إلى أن المباني السكنية لهؤلاء الأيتام يجب أن تكون كمثيلاتها من دور التربية للبنين والبنات للأيتام تتميز بالفخامة والتصميم. ولفتت إلى أن التخطيط للمباني المخصصة للمؤسسة لم يراع وجود ساحات داخلية ذات تهوية صحية بحيث يسهل على المسؤولات في الدار السماح للنزيلات بالخروج للفناء الداخلي على دفعات دون الخشية من محاول الهروب أو حدوث مضاربات أو خلافات بينهن ونفس الامر ينسحب على التكدس في الغرف ووقت الوجبات. وأبانت أن هناك قلة في عدد القاعات لإقامة أنشطة ولا يوجد سوى المصلى أو المسرح وعدد النزيلات يفوق ذلك وأحيانًا يكون هناك أكثر من نشاط من قبل المشرفات ولا يكون هناك مكان لتنفيذه وأضافت ان المباني الحالية ليست مصممة لان تفي بالغرض حيث ان هناك أربعة حجوز انفرادية فقط وعندما تحضر للدار أكثر من قضية يصعب إيجاد أماكن لحجز الفتاة حسب تعليمات الشرطة والتي تطلب بألا تختلط صاحبة القضية بأخريات حتى ينتهي التحقيق وهناك قضايا يطول فيها التحقيق مثل قضايا القتل تستمر لأكثر من شهرين. كما لم يراع كذلك وضع المدرسة لأن الفصول الدراسية لا تكفي للمراحل الثلاث (ابتدائية والمتوسطة والثانوية)، ويحبذ أن تكمل النزيلة دراستها حسب مرحلتها حتى لا تنقطع عن الدراسة بعد خروجها من المؤسسة لافتة إلى وجود نقص في الفصول المخصصة لدورات الحاسب والخياطة والتطريز والمهارات الفنية وذكرت أن اختيار الاختصاصيات الاجتماعيات والمراقبات لم يكن بالأمر الهين حيث يتم اختيارهن بعد فحص بياناتهن والتأكد من أنهن من ذوات السمعة الحسنة ولو لوحظت أي ملاحظة على سلوك المراقبة او المشرفة تم نقلها من الدار مباشرة ولو كانت من المعينات بنظام الساعة تم فصلهن. بيئة غير مناسبة من جهة اخرى أكد احسان طيب المدير العام للشؤون الاجتماعية بمنطقة مكةالمكرمة سابقًا والمستشار الاجتماعي ان المباني السكنية للدور الاجتماعية في منطقة مكة غير مناسبة لتكون بيئات تربوية واجتماعية تساعد النزلاء والنزيلات على تجاوز مرحلة الخطأ الذي وقعوا فيه مشيرًا إلى أن هذه الدور أنشئت منذ عشرات السنين وفق طاقات استيعابية محددة لا تتجاوز المئة شخص. وقال إن دار الملاحظة الاجتماعية في محافظة جدة على سبيل المثال أصبح نزلاؤها (400) نزيل مشيرا إلى أن تكدس الأعداد بهذه الصورة الكبيرة لا يسمح بإقامة أو تنفيذ البرامج الاجتماعية المتمثلة في الرعاية اللاحقة للنزلاء إضافة إلى دمج المحكومين مع بعضهم البعض كافة سواء أصحاب الحوادث البسيطة أو الكبيرة مما قد يعرض البعض منهم إلى تنامي الجريمة في نفسه وتعرفه على أشخاص غير أسوياء وأضاف ان البرامج الاجتماعية تتطلب وجود برنامج التفريد للنزيل سواء فيما يتعلق بالعقوبات أو التعليم أو التدريب أو التأهيل مشيرًا إلى أن عدم مناسبة الدور الحالية لا تسمح بتنفيذ مثل هذا البرنامج والذي يعد أحد البرامج الأساسية في رعاية الأحداث أو الأيتام والفتيات. وأبان أن اختيار مواقع بعض الدور الاجتماعية غير مناسب وكانت النظرة آنذاك ضيقة وبخاصة مبنى مؤسسة رعاية الفتيات بمكة والذي يقع في منطقة يطل عليها جبل ومأهولة بالسكان مشيرا إلى أن الدور الاجتماعية لا تستطيع أن تعطي النزيل الراحة النفسية التي ينشدها وكلما ضاق المكان على الإنسان كما يقال تضيق نفسه مما يجعله قد يرتكب أفعالًا خارجة عن إرادته. التدريب على اعمال تجارية من جهتها قالت مديرة إدارة التوعية الإسلامية بالإدارة العامة للتربية والتعليم للبنات بمنطقة مكةالمكرمة أسماء ياسين أن مباني الدور الاجتماعية وبخاصة مبنى مؤسسة رعاية الفتيات يقف عائقًا أمام تنفيذ البرامج التوعوية والوقائية التي كانت تنفذها إدارة التوعية الإسلامية بسبب قلة أعداد الغرف وعدم وجود قاعات للمحاضرات، كما لا توجد فصول محددة تمكن الطالبات من مواصلة تعليمهن. وأضافت: كان يتعين أن يشتمل المبنى على ورش وغرف كفيلة بتعليم الفتيات أعمال مهنية أو فنية تكون عونًا لهن بعد الخروج من المؤسسة مشيرة إلى أن عدم امتصاص طاقات الفتيات ونشاطهن الزائد مدعاة إلى إثارة الشغب والمشاجرات بصفة مستمرة لافتة إلى أن الجوانب التربوية والتعليمية والتوجيهية مغفلة تماما بسبب عدم ملاءمة المبنى لاحتياجات الفتيات الجانحات. وأبانت انه بالإمكان تدريب الفتيات على أعمال تجارية مثل صناعة الحلويات وخياطة الملابس لتكون خير معين لهن بعد انقضاء العقوبة مشيرة إلى أن من ضمن الإشكاليات التي تواجه الفتيات النزيلات وضع صاحبات القضايا مع بعضهن البعض كافة بدون تمييز مما قد يجعل الفتاة صاحبة القضية البسيطة تتعلم أمورًا غير حسنة. واشارت إلى اهمية وجود مكتبة سمعية والكترونية وغرفة للتقنيات أسوة بما هو موجود في مدارس التعليم العام لإشغال وقت الفراغ لدى الفتاة بما يعود عليها بالنفع.