إذا كان على القصيدة أن تستمر بعد وفاة الشاعر، فلن يكون ذلك بسبب مناسبتها أو موضوعها أو أخلاقياتها أو شكلها، ولكن بسبب جمالها وقدرتها على الإمتاع، الشعر يقاس بمستوى الجمال، ولذة القصيدة تكمن في: (كيف تقولها وليس ماذا تقول فيها) الشعر لذة خالصة.. وقارئ الشعر الحقيقي ليس من يحفظ القصيدة بل من يتذوقها! حتى علماء التغذية يؤكدون.. أن الغذاء الأقل فائدة لذيذ أكثر من الغذاء المفيد! وجود الشعر والفن عموما ليس له مبرر إلا كونه ظاهرة جمالية. والشعر سحر الكلام وهمهمات الخيال غامض ولا ينتبه له غير قلب نبيه يجيء كانه سحابة.. والسحاب احتمال اما احتواه المطر والا الضما يحتويه! بحثت في تعريفات الشعر، ما هو فني وما هو تعليمي، ولم أجد تعريفا واحدا استطاع أن يحتوي المعنى الحقيقي للشعر الخالص، كلها محاولات يعتريها النقص، وفي رحلة البحث عن معنى الشعر قرأت قصة قصيرة لأديب بلغاري اسمه (إلين بيلين) بعنوان (عين عديمة الفائدة) توضح جانبا مهما من حقيقة الشعر، تقول القصة: «خرجت ذات يوم للصيد فقادتني قدماي إلى الأعماق المظلمة لغابة من أشجار الزان، تخلو من أي أثرٍ لطريق ٍ ما يوحي أن قدم إنسانٍ لم تطأها من قبل، وعندما توغلت فيها ألفيت عين ماء في البقعة الأكثر سترا فيها. كانت العين قد نقشت في صخرٍ بشكل بالغ الجمال، ليتدفق منها الماء عبر أنبوبٍ نحاسيٍّ، ويصب في حوضٍ حجري منبعثا منه خرير يطرب الآذان، وبالقرب منه ينتصب حوض خشبي. عندئذ سألت نفسي مندهشا: ترى من يكون صنع هذه العين بهذا الإتقان والعناية في مكانٍ لن يصله إنسان يوما أيكون أحد هواة الطبيعة؟ أو صديق لجنيات الغابة؟ أو أحد عشاق العزلة؟ أم تراه يكون متأملا ما.. أو ربما شاعرا؟ أجل.. هو حتما شاعر ذلك الذي صنع هذه العين الجميلة في قلب غابة الزان المهجورة؛ لأن الشاعر فقط هو من يقوم بأعمالٍ جميلة وعديمة الفائدة في آن. حبة القمح أهم للإنسان من اللؤلؤ.. لكن اللؤلؤ أجمل وأعلى قيمة، الأكسجين أهم لحياة الإنسان.. لكن العطر أكثر إثارة لمشاعره وأكثر إغراء وجاذبية، جناح الفراشة له فائدة وبدونه لا يمكن أن تطير، لكن ليس لتلك الألوان والنقوش أي تبرير إلا الجمال وسحر الطبيعة وعظمة الخالق.. والشعر تماما كالنقوش والألوان في جناح الفراش.. لا تقاس بما يمكن أن تضيفه لمهمة الجناح وقدرته على الطيران. الشاعر الجيد يتعامل مع قصيدته كخياط ماهر يشتري أدواته جاهزة (قطعة قماش، خيوط) ويبدأ بخياطة فستان جميل، الشاعر المبدع ينتج أدواته بنفسه بمعنى أنه يقوم بصناعة القماش ثم بغزل الخيوط ثم يبدأ باستخدامها. للمبدع (نايف صقر) اقرأ: وبين الأحمر النافر والأصفر برتقال تم كماله ف الشفق والا الجمر لا احمر تفكيره هنا جمال خالص (والا الجمر لا احمر تفكيره)، ولو أن البيت افتقد هذا التعبير الجميل لخسر قيمته الشعرية. لا شيء يعوض نقص الجمال في القصيدة، لا ثقافتها ولا كمية المعلومات فيها ولا رقي مشاعرها ولا حكمتها ولا أي شيء آخر..، ربما الشيء الوحيد الذي قد يعوض ذلك النقص هو ذكاؤها.. هنا اقرأ للرائع (عبدالمحسن بن سعيد): أنا لا من دعيت الله يجيبك زتني ببعاد رح الله لا يردك يمكن الدعوات مقلوبه فكرت في كتابة شعر مع تكرار حرف أو حرفين.. كل ليل وله اكاليله وانا كلي لها ليلةٍ لانت لي ونالتني وناولتها كلمتني وكملتني وامتلكني ليلها كللتني بالغلا كله وانا كللتها ... هكذا بكل سهولة حسنا أريد كتابة شعر بلا نقط.. احدٍ معك لو حدك العمر عاداك المال همه والمصالح طموحه واحد عطاك المال والروح واعطاك عهد ووعد لو راح ماله وروحه ربما قضيت وقتا أطول من السابق لكن المهمة انتهت ثم جربت أن أكتب شعرا مثقفا يعجب نقاد الشعر ولجان التحكيم.. سقيت الليل من ظلما نعاسي وارتويت احلام نبت غصن السهر وابتلت بكفي عناقيدي نسجت الليل بلحاف التعب ووسادتي أوهام وقلت انفض غبار الذاكرة وانسى مواعيدي فوجدته الأكثر سهولة.. ومجانية! أخيرا حاولت أن أكتب شعرا جميلا.. حاولت وحاولت وحاولت.. تأخر الوقت ولم أتمكن من ذلك مرت الأيام ولا زلت أحاول.. ليس من السهل أبدا أن يعثر الشاعر على شعر جميل لم يكتب بعد!