مما لاشك فيه أن في هذا العصر العديد من المتغيرات التي تمس مباشرة منظومة القيم التي يؤمن بها المجتمع، إضافة إلى تعارضها مع مجموعة من العادات والتقاليد الاجتماعية، وإذا كان ألفين توفلر قد توقع حدوث صدمة في الثمانينات لدى الأمريكيين، بسبب سرعة التغيرات الاجتماعية وعدم قدرة الناس على التوافق معها، فماذا يمكن أن يقول من يعايش متغيرات العصر الحاضر سواء على صعيد كمها أو كيفها؟ لقد كان لهذه التغيرات آثار سلبية تمثلت في فقدان شرائح من الشباب القدرة على التوازن بين ما تريده منظومة القيم الاجتماعية والعادات والتقاليد السائدة في المجتمع من ناحية، وبين متغيرات العصر الحاضر من ناحية أخرى، ومع ذلك فقد كان لهذه التغيرات جوانب إيجابية تمثلت في رفض شرائح الشباب لبعض العادات التي هي في أساسها سلبية وليس من صالح المجتمع لا حاضرا ولا مستقبلا التمسك بها، ومنها حرص بعض الآباء على سحق شخصية الأبناء عبر النقد المباح واللاذع وإراقة ماء وجوههم أمام الكبار والصغار، وهو سلوك لا يتوافق مع منطق أو شرع أو دين، وبالتالي فنحن جميعا ملزمون بمراجعة دقيقة لمثل هذه العادات مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذه العادات ليست مقدسة فما اتفق منها مع المنطق والدين هو الذي يملك حق البقاء، أما تلك التي لا تنسجم معهما فليس لها الحق في البقاء مهما كان عمر بقائها، وقد جاء الإسلام ليحارب جملة من العادات المتأصلة والمتجذرة في الثقافة العربية قبل الإسلام عبر مئات السنين، كوأد الفتاة، والرق، والتفاخر بالأنساب، والتنابز بالألقاب وغيرها كثير، ولم يشفع لكل هذه العادات طول مدة بقائها، أو كثرة أتباعها، وعليه فإن الجيل الحالي مع كل ما يقال بحقه من سلبيات ووصفه بأنه جيل متمرد على هذه التقاليد، إلا أنني موقن أنه حين ينضج ويمارس دور الأبوة والأمومة مستقبلا سيكون أكثر مرونة مع أبنائه من جيل الآباء الحالي، لذا فإن الرسالة التي يستطيع الجيل بواسطتها المحافظة على قيمه وعاداته وتقاليده السوية هي رسالة ينبغي أن تتصف بالانفتاح والمرونة في مراجعة جملة العادات والتقاليد على خلفية القيم الدينية كمضمون مع الحرص على هذا المضمون ومراعاة المرونة في أساليب التعبير عن هذه القيم إن كان هذا الأسلوب قابلا للتبديل والتغيير، فاحترام الوالدين قيمة ثابتة سابقا، وينبغي أن تبقى ثابتة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، أما طرق التعبير عن هذا الاحترام فيمكن أن تتبدل، إذ أن حوار الآباء والأمهات مع أبنائهم كان عادة مرفوضة في الماضي، وربما اعتبره البعض قلة أدب، ولكنه في عرف الشرع والدين أمر مباح وبالتالي يحتاج أبناؤنا أن يتعلموا كيف يحاورون، كما أن الآباء يحتاجون بدورهم إلى تعلم آلية الحوار إذا كانوا حريصين على بناء تقدير عالي لذوات أولادهم لأن هذا التقدير العالي هو السبيل الحقيقي لتجنيب الأجيال القادمة الوقوع في الفراغ العاطفي والجراح العاطفية مع ما تحمله هذه المسائل من نتائج وخسائر كبيرة، وبناء عليه فكلا الطرفين الأبناء والآباء يحتاجون إلى تذكر أن الرسول الكريم هو النموذج القدوة كان ولا يزال وسيبقى كذلك إلى يوم الدين، وهو نموذج أيضا لتقبل الحوار واستخدامه مع الكبير والصغير، ومع الرجل والمرأة، ولم يكن في زمانه ولا في زماننا من هو أصبر على الآخر منه عليه الصلاة والسلام، ولو تذكرنا أن القيم الموجبة كاحترام الوالدين هي أهداف نبيلة وثابتة، ولكن التعبير عن هذا الاحترام يخضع للتغير والتبدل، عندها سنوقن أنه لن يضير أب أو أم أن يتيحا الفرصة لأبنائهما وبناتهما أن يحاوروهم بدل أن يكرهوهم على ما يريدون لسبب وجيه جدا يكمن في أن الدين لا إكراه فيه فهل يعقل أن يكره المرء على أمر سواه؟. للتواصل ارسل رسالة نصية sms الى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 146 مسافة ثم الرسالة