تشهد المملكة اليوم قفزات سريعة ومتلاحقة في كل المجالات، الكثير منها ضخمة وحيوية. يشمل ذلك على سبيل المثال، لا الحصر، بناء عدد كبير من الجامعات والمدن الجامعية الحديثة، وإنشاء مطارات جديدة، وتوسعة بعض الموانئ، وبناء المدن الذكية والمدن الاقتصادية ومدن المعرفة، وخصخصة بعض المرافق والشركات مثل الخطوط السعودية، وفتح أبواب الاستثمار لرأس المال الأجنبي، ومشاريع الإسكان العام، ومشاريع الصرف الصحي والبنية التحتية للمدن، وغير ذلك من مشاريع وتوجهات ذات تأثيرات حاسمة على حاضر ومستقبل المملكة. وبالطبع تتم هذه المشاريع، ويخطط لها، وتنفذ، من قبل أجهزة حكومية مسؤولة. وقد يشارك في تنفيذها أكثر من جهة حكومية، بل وربما أيضا بعض جهات القطاع الخاص. وبالطبع تحتاج هذه المشاريع وتلك التوجهات الطموحة إلى أموال طائلة، تصل إلى مئات البلايين من الريالات في كل عام. ولكن السؤال الذي يدور في بالي دائما ولا زلت أبحث له عن جواب مرضي، من هي الجهة الرسمية التي تربط بين هذه المشاريع والتطورات العملاقة، وتنسق بينها قبل وأثناء وبعد التنفيذ؟ ومن هي الجهة الرسمية المكلفة بتقييم ( أو تقويم) هذه المشاريع، ومتابعة مدى نجاحها (أو فشلها لا قدر الله) مقارنة مع ما صرف عليها من جهد ومال، وقياساً بالتوقعات والآمال التي كانت معقودة عليها؟ وكيف نستطيع أن نحدد تماما مقدار العائد من هذه المشاريع بعد تنفيذها في ضوء دراسات الجدوى الاقتصادية والطموحات الاجتماعية والإدارية التي قامت على أساسها؟ لا شك أن هذه تساؤلات مهمة وعلامات استفهام ضرورية، تحتاج إلى إجابات شافية وإلى تسليط الضوء عليها. وهذه بالتالي تحتاج إلى جهة بحثية جادة وعلمية وأمينة لتبحث وتسأل وتقيم، وتجري أبحاثا ودراسات لكي تكتشف حقيقة الأمور وتضعها تحت المجهر. وإذا كان الأخ الزميل داود الشريان يتساءل «من يراقب هيئة الاستثمار» (الحياة، العدد 17170، الخميس 8 أبريل2010م)، ثم يختتم مقاله بقوله «الأكيد أن الهيئة العامة للاستثمار تلعب دورا سلبيا ضد شركات المقاولات الوطنية، فهي فتحت الباب على مصراعيه، وبلا ضوابط ولا شروط أمام بعض المقاولين الأجانب الذين لا خبرة مهمة لديهم، فأصبحت تمنحهم تسهيلات في التأشيرات والتراخيص وتتغاضى عن مستوى خبراتهم؛ من يعلق الجرس، من يراقب عبث هيئة الاستثمار بقطاع المقاولات؟» فهو يطرق على باب مهم. وبالرغم من أن موضوعي ليس هو هيئة الاستثمار، إلا أن السؤال المكمل ( وربما الأهم) لسؤال الأخ داود هو: من يقيم عمل ونتائج قرارات هيئة الاستثمار، منذ قيامها وحتى اليوم، وبشكل دوري بعد ذلك؟ هذا السؤال لا يقتصر على هيئة الاستثمار فقط، وإنما يجب أن يمتد ليشمل جميع مؤسسات الدولة، مثل الخطوط والبريد، وهيئة الاتصالات، والكهرباء، والإسكان، إلى آخر القائمة. فالتقارير السنوية التي تكتبها هذه الجهات وترفعها سنويا إلى الجهات العليا قد لا تذكر عادة إلا نصف الحقيقة، أو حتى ربعها. فمن فينا بالله يستطيع أن يكشف بكل حيادية عن مدى فشله أو تقصيره في عمله، ومن منا لا يضخم أي مقدار من إنجازاته ويزمر لها، وكأنه فتح عكا؟ إذن لا نتوقع أن تكون هذه التقارير السنوية حيادية، ومعلمة، ودقيقة، وذات نفع إلا في حدود بسيطة، مثل طلب زيادة الاعتمادات أو زيادة الصلاحيات أو ما شابه ذلك. أما كل الحقيقة فهي غالبا ما تختفي في الأدراج أو خلف الكثير من الضباب اللغوي والإحصائيات المضجرة، أو باتباع أسلوب «كل شيء تمام يا أفندم». المشكلة أنه لا يوجد لدينا على أرضية الواقع جهاز قادر ومتخصص يقوم فعليا بهذه المهمة الخطيرة، مهمة التقييم الدوري الشامل المحايد للمشاريع والجهات المسؤولة عنها، والتي بدونها لا يمكن لنا أن نعلم مدى نجاحها ومقدار العائد المتحقق منها في ضوء التوقعات والطموحات المعقودة عليها. هناك فقط جهة واحدة متخصصة تستطيع القيام بهذا العمل، إن استطاعت تطوير مقدراتها وجهازها، لتتحول بالفعل إلى ما يشبه أجهزة الخلايا أو المؤسسات الفكرية والبحثية THINK TANK. أقصد بذلك جهاز «الأغر» الذي يمكن – في ضوء حياديته واستقلاليته التامة – أن يتحول إلى جهاز قادر، علمي وأمين، لتقييم مسار هذه المشاريع والجهات المسؤولة عنه التقييم الصادق والشفاف، الذي يمكن أن يضيء الطريق، ويكتشف الخطأ، ويصلح الاعواج، ويقضي أيضا في طريقه على الفساد والتلاعب. إما هذا، وإما «كل يغني على ليلاه». للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 129 مسافة ثم الرسالة