بمجرد إقرار الرهن العقاري سينسى من تحمسوا له وطالبوا بتطبيقه لسنوات طويلة وكذلك من لا يرى أن النظام يصلح للتطبيق دون تحقيق مجموعة مسبقة من الشروط الاقتصادية، ولن يتحدث أحد عن الملائمة الزمنية فقد يكون قد جاء متأخرا أو في وقته أو قبل أوانه، المهم أنه أصبح واقعا. ويسود اعتقاد عام بأن إقرار نظام الرهن العقاري سيؤدي إلى زيادة كبيرة في التمويل العقاري في المملكة من القطاع البنكي إلى شركات التطوير العقاري، أو مباشرة إلى الأفراد القادرين على تقديم الضمانات المطلوبة ولديهم الدخل الكافي. وهذا الاعتقاد يهم قطاعا كبيرا من الأفراد المهتمين بأثر كل ذلك على أسعار العقار. هل ستستمر في الارتفاع؟ أم ستنخفض الأسعار؟ وهل هذا سينطبق على كل المناطق أو في نطاقات محددة؟ وغير ذلك من الأسئلة. لاشك أن الإجابات تتعلق بمدى صحة ودقة وشفافية المعلومات في سوق العقار، وكذلك قطاع البناء والتشييد، وانعكاسات المتغيرات الاقتصادية على جانبي العرض والطلب. ولا يستبعد أن يكون للشائعات والتحليلات الفردية أو المغرضة والقناعات عند كبار المتعاملين تأثير في اتجاه السوق، إلا أن من حسن الحظ أننا لازلنا نتذكر ما حدث في النصف الثاني من عام 2008، عندما تصاعدت أزمة الائتمان الناجمة عن هشاشة منظومة الرهن العقاري في الولاياتالمتحدةالأمريكية، وذلك بعد انهيار بنك «ليمان براذرز»، نتيجة لسوء إدارة التمويل العقاري، حيث تعدت الرهون العقارية القيمة الحقيقية للممتلكات، وأثر ذلك في بورصات العالم نتيجة لعمليات التوريق، ثم تداعيات ذلك التي امتدت بحكم التشابك والتداخل المالي الشديد عبر خريطة العالم إلى دول الاتحاد الأوروبي وغيرها من الدول الأخرى، أحد أهم أسباب هذه الأزمة هو التسيب والانحراف الذي أصاب النظام المالي الأمريكي حتى على مستوى مكافآت مديري البنوك، نتيجة لغياب الرقابة والمتابعة لتطبيق القواعد والضوابط الموضوعة، وأيضا من حسن الحظ التحفظ المعروف عن السياسات المالية والنقدية في المملكة والتي حمت الاقتصاد من كثير من الأزمات، (وإن كانت في نفس الوقت قد ضحت ببعض الإيجابيات التي تواكب المغامرة والاندفاع). ولا شك أن إقرار الرهن العقاري في المملكة والضمانات التي يتيحها سوف تزيد من نسبة الائتمان الذي تخصصه البنوك التجارية لتمويل القطاع العقاري، وتحفز المنافسة بين البنوك لابتكار عمليات جديدة للتمويل العقاري مع تراجع نسب الفائدة لجذب أكبر شريحة من العملاء من متوسطي الدخل وما فوق. وفي ظل التشريعات العقارية والتمويلية الواضحة للتطبيق من خلال جهات تنفيذية وتشريعية واعية، سوف يزيد ثقة وحماس المستثمرين على دخول السوق وتوسيع استثماراتهم وزيادة حجم المعروض من العقارات الإسكانية وانتعاش جميع الأنشطة المتعلقة بالبناء والتشييد. ومن جهة أخرى، سيظهر عدد من الآثار الجانبية مثل احتمالات ارتفاع أسعار الأراضي في بعض المناطق، وكذلك ارتفاع أسعار مواد البناء نتيجة لزيادة الطلب بشكل يفوق إمكانات زيادة الطاقات الإنتاجية أو الاستيرادية بخاصة في المدى القصير. وبصفة عامة، هناك مخاوف اقتصادية نتيجة ضعف الوعي تجاه السوق العقارية السعودية والاهتمام الزائد خاصة مع ارتفاع أسعار النفط بقطاع الإسكان في اقتصاد ريعي، باعتبار السكن حاجة أساسية تتطلب تكافل الدولة والقطاع الخاص في توفيرها للمواطنين. كما أن هناك مخاوف نتيجة القناعات بأن العقار أفضل مخزن لقيمة المدخرات وحماية المستقبل، ويؤدي ذلك إلى تزايد الدور القيادي لقطاعي الإسكان والعقار وتميزها على أغلب القطاعات الاقتصادية المنتجة وتركز الادخار والاستثمار فيهما، مما يقلل من فرص تنويع القاعدة الاقتصادية ويزيد من نسبة البطالة. * أستاذ الاقتصاد في جامعة الملك عبدالعزيز جدة