يزخر أرشيف الصحف بتوصيات المؤتمرات والندوات والمنتديات والأبحاث والتقارير التى قدمها العلماء والمتخصصون والمسؤولون بالعديد من التوصيات والمقترحات الفعالة لتحقيق التقدم الاقتصادي، وكما ذكرت الصحف أن منتدى جدة الاقتصادي سيصدر ولأول مرة توصيات لإرسالها للجهات المختصة. وتمثل 85 توصية نشرتها الصحف نظرة شمولية للحلول التي يمكن من خلالها استمرار الإنجازات التنموية، ومواكبة التغييرات والمستجدات التى تشكل النظام الاقتصادى المحلي والعالمي الجديد. ولكن المهم أنه وبعد اطلاع الجهات العليا واقتناعها بهذه التوصيات أعادتها للموصين بها لتحديد الآليات التي يمكن من خلالها تنفيذ التوصية من قبل الجهات المسؤولة. بعض التوصيات تعتبر بذاتها الآية التي تحقق هدف التوصية، ولكن العديد من التوصيات تحتاج إلى توضيح السبل العملية والملائمة لتحقيقها، وهناك عدد قليل من التوصيات يدخل ضمن المثاليات أو تخرج عن النطاق المحلي وتعتبر مجرد نصيحة لجهات أو دول أخرى لاتخاذ خطوات تنفع الطرفين، وتم تضمينها في التوصيات فقط لاستكمال الشمولية في مواجهة الواقع الاقتصادي. إن واقعنا الاقتصادي لم يتغير كثيرا (وإن تحسنت بعض المؤشرات الدالة على تحقيق إنجازات)، في ظل الإمكانيات الكبيرة المستغلة في مجال الإنتاج النفطي، وغير المستغلة في مجالات الإنتاج غير النفطي بسبب غياب المحاولات الجادة لاستغلال هذه الإمكانيات، لأن الفروض التى يتبناها رجال المال وبعض رجال الأعمال فى تقييم الفرص الجديدة تخضع لتجاربهم السابقة والتي مكنتهم من تحقيق إيرادات ضخمة وأرباح كبيرة أحيانا نتيجة الظروف الاقتصادية. ومهما كانت الأسباب فإن الواقع الاقتصادي أبرز بعض التحديات التى تعايشها المسيرة التنموية وأهم هذه التحديات: استمرار هيمنة القطاع النفطى المتقلب على مصادر توليد الدخل، مما يعمل على تضييق خيارات التنمية وفرص العمل. نمو حجم وهيكل السكان، وارتفاع نسبة صغار السن فى المجتمع، مما يؤدي إلى ارتفاع تكاليف التنمية الاجتماعية، وكذلك عدم كفاية الخدمات الطبية والتعليم لتغطي كل السكان. بطء نمو فرص العمل بسبب اختلالات سوق العمل وجمود نظم التعليم والتدريب، ونظم التوظيف والأجور، وضعف تدفق التقنيات الحديثة، أو بناء قدرة تقنية ذاتية. تزايد احتياجات البنية الأساسية فى قطاعي الماء والصرف الصحي والكهرباء، لتلائم الزيادة السكانية ومواجهة تزايد ندرة موارد المياه وارتفاع تكاليف إنتاجها. استمرار اختلال هيكل الإنفاق لصالح قوى الاستهلاك على حساب قوى الإدخار والاستثمارات الإنتاجية، وتباطؤ زيادة معدل الاستثمار فى الناتج العملي الوطني وفى الوقت نفسه زيادة معدل الادخار المحلى. عدم تناسب الدور التنموي للقطاع الخاص مع مكتسباته المتراكمة وإمكانياته وخبراته لتحديث نمط الإنتاج لضمان النمو الذاتي للإنتاج الوطني من السلع والخدمات من خلال مجموعة أكبر من المشاريع الإنتاجية بهدف مضاعفة الدخل الوطني وتقويته وتنويعه. عدم قدرة القطاع الصناعي على تلبية الطلب المحلي الاستهلاكي والاستثماري واستمرار محدودية الطاقة الاستيعابية للأسواق المحلية بسبب الاعتماد المفرط على الاستيراد. ولاشك أن التوصيات التي خرج بها المنتدى تمكن الاقتصاد الوطني من التغلب على كل هذه التحديات. وتكمن نقطة الانطلاق لترجمة التوصيات إلى واقع فى التعليم وزيادة المعرفة والمهارات الإنتاجية، بجانب أخلاقيات ومبادئ العمل المنتج والالتزام فى أسلوب العمل، وتحويل الانتماء إلى ولاء يخدم الاقتصاد الوطني لعشرات السنين القادمة. * أستاذ الاقتصاد، جامعة الملك عبدالعزيز نائب المدير التنفيذي، مركز البيئة والتنمية للإقليم العربي وأوروبا (سيداري).