منذ صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان إلى اليوم، والمسلمون لم يتوقفوا عن إبداء ملاحظاتهم، وتسجيل نقدهم عليه في أبعاد مختلفة، ويبدو أنهم لن يتوقفوا كذلك لأسباب ترجع في إطارها العام إلى طبيعة العلاقات المعقدة بين الإسلام والغرب. وعند النظر في هذه الملاحظات يمكن تحديدها في أربعة اتجاهات رئيسية، سوف نتحدث في هذه المقالة عن اتجاهين هما: الاتجاه الأول: ملاحظات في نقد الإطار المرجعي أشار إلى هذه الملاحظات العديد من الكتاب والباحثين المسلمين الذين يرون أن الإعلان العالمي يستند في إطاره المرجعي على الفلسفة الغربية، ويتأطر كليا بالثقافة الأوروبية، وجاء معبرا عنها في الدرجة الأولى، ومتناغما معها، ولم يلتفت إلى باقي الثقافات الأخرى غير الأوروبية، وما لهذه الثقافات من خصوصيات مختلفة في جوانب عديدة، وفي مقدمتها الثقافة الإسلامية. فهناك من يرى أن هذا الإعلان إنما هو غربي وليس عالميا، غربي من حيث أسسه الفلسفية القائمة على الفلسفة العقلانية والطبيعية التي لا تقر بسلطة تعلو عقل الإنسان وغرائزه ومصالحه، وتزعم وجود قوانين طبيعية، وأن في مكنة العقل الكشف عنها، إن ادعاءه العالمية وهو غربي يجعله من هذا الجانب جزءا من البرنامج الغربي المهيمن على الحضارات الأخرى لمحو خصوصياتها. هذه الملاحظة وإن كانت تعكس أو لا تكاد تخرج عن هواجس الهوية عند المسلمين في علاقتهم بالغرب والثقافة الغربية، إلا أن ما يلفت النظر إليها أكثر هو حديث الآخرين عنها أيضا في آسيا وأفريقيا وحتى في أوروبا نفسها. وكشف عن هذه الملاحظة جان مورانج في كتابه «الحريات العامة» الذي يرى: أن هذه الشرعة تظهر بشكل خاص وكأنها تسوية بين النظم التقليدية الغربية والمفهوم الماركسي، لذلك لم تأت على ذكر حرية التجارة والصناعة، كما أن شمولية بعض التعابير تشكل مدعاة رضا وارتياح للمعسكرين الماركسي والغربي، نذكر على سبيل المثال: البند 17 الذي يؤكد أن أي إنسان مستقلا كان أم منتميا إلى جماعة له الحق بالامتلاك، لذلك فشرعة 1948م كانت تنحو إلى إقامة نوع من التسوية بين فلسفتين سياسيتين، فقد جاء في نهاية المقدمة أن الحقوق المذكورة هي مثال يطمح الإنسان إليه بفضل التربية والتعليم، وضمن إمكانيات متدرجة وفعلية، وكان المرجع في ذلك هو المذهب الماركسي، أما حين تبدأ المقدمة نفسها بالجملة التالية - ومع اعتبار أن الاعتراف بالكرامة الملازمة لكافة أفراد العائلة وحقوقهم المتساوية والثابتة، يشكل الحرية والعدالة والمساواة في العالم- فلم يكن ذلك إلا تلميحا واضحا إلى التقاليد الغربية والفرنسية حول حقوق الإنسان. الاتجاه الثاني: ملاحظات في النقد التوظيفي أشار إلى هذه الملاحظات معظم الذين تناولوا الحديث عن الإعلان العالمي، وكان الباعث عليها سلوكيات الغرب السياسية تجاه الآخرين خارج محيطه الغربي، وبالذات تجاه العالم العربي والإسلامي، التي اتسمت في أحيان كثيرة بالتحيز الواضح، وبسياسات المعايير المزدوجة، وبالمسبقات الأيديولوجية التاريخية التي تجعل الغرب متوترا تجاه المسلمين والعالم الإسلامي. والمقصود بالنقد التوظيفي نقد محاولات الغرب توظيف الإعلان العالمي بطريقة تخدم مصالحه السياسية والاقتصادية، وتحويله إلى أداة للضغط السياسي والاقتصادي، فيشهر كسلاح في وجه دول، ويغض النظر عنه في وجه دول أخرى تبعا لنظام المصالح، والدوران معها أينما دارت. وبهذه السلوكيات السياسية أضر الغرب كثيرا بالمصداقية الأخلاقية للإعلان العالمي، وهي المصداقية التي كان يفترض أن تشكل جوهر وروح هذا الإعلان، وأساس التعامل معه، الأمر الذي ترك تأثيرا واضحا على طريقة تقبل وتعامل الدول والمجتمعات الأخرى غير الأوروبية مع هذا الإعلان. وإلى اليوم ما زالت هذه الملاحظات والتشكيكات يجري الحديث عنها بصور مختلفة في الدول والمجتمعات غير الغربية، وذلك لأن الغرب ما زال كما هو لا يرى الأمور إلا من زوايا مصالحه حتى في علاقته بقضايا حقوق الإنسان، وتظل إسرائيل أكبر شاهد على ذلك فهي من أكثر دول العالم انتهاكا لحقوق الإنسان، ومن أشدها خرقا للقوانين الدولية، مع ذلك فهي دائما خارج المحاسبة والمساءلة، وفوق القانون، ومن يتقدم مطالبا بمحاسبتها يواجه بالفيتو الأمريكي الجاهز عادة لمثل هذه الحالات. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 115 مسافة ثم الرسالة