يعد «الأمن» من نعم الله سبحانه وتعالى التي لا تحصى، وهو أهم مقومات الحياة البشرية الكريمة.. وأهم ركائز النماء والبناء.. بل هو علامة أساسية من علامات الرخاء والازدهار. وتشير الشواهد والإحصائيات المتعلقة بمعدلات الجريمة على المستوى العالمي، إلى مسار تصاعدي متواصل.. حيث تزداد معدلات الجريمة عاما بعد آخر، نتيجة لعوامل عدة تشمل النمو السكاني المتزايد والتوسع الحضري والمدني.. إلى جانب تعقد متطلبات الحياة وصعوبة ظروف الأحياء. ولهذا فإن خبر انخفاض معدلات الجريمة في مدينة جدة، الذي أعلن عنه أخيرا يستحق الاهتمام.. ويكتسب أهمية نابعة من حيوية الأمن. فلقد أوضحت المصادر الرسمية انخفاض معدلات الجريمة في محافظة جدة العام الماضي في قضايا الاعتداء على النفس، وما دون النفس وقضايا الاعتداء على العرض والأخلاق بنسبة 25 في المائة. وبلغت نسبة الجرائم المكتشفة 93 في المائة مقارنة ب 84 في المائة في العام الذي سبقه، مما يعكس انخفاضا في نسبة الجرائم المسجلة ضد مجهولين. ورغم أن انخفاض معدل الجريمة يعد في حد ذاته إنجازا.. إلا أن نسبة الانخفاض المعيارية تجسد حجم الإنجاز المتحقق. وفي الوقت الذي يجسد فيه هذا الإنجاز القدرة المتميزة للبحث الجنائي، إلا أنه يعكس في ذات الوقت نجاح الدور الأمني الوقائي الذي تضطلع به الأجهزة الأمنية.. حيث يتجاوز العمل الأمني حدود حماية الأمن وكشف ملابسات الجرائم بعد وقوعها.. إلى العمل قبل وقوعها على منع حدوثها.. وهو ما يمثل تطورا نوعيا في الأداء الأمني واحترافية التعامل مع الجريمة. ويستلزم هذا الإنجاز إخضاع معطيات العمل الأمني في جدة، لدراسات علمية للوقوف على الإيجابيات ومن ثم العمل على تعزيزها.. وتحديد السلبيات وتبعا السعي لتجنبها واجتثاثها.. وذلك بهدف مواصلة مسيرة الإنجاز، لنشر دواعي الأمن في المجتمع. ورغم أهمية هذا الإنجاز الأمني الذي تحقق في مدينة جدة، إلا أنه مر على وسائل إعلامنا مرور الكرام.. الأمر الذي يعكس حقيقة واقع الحلقة المفقودة في التواصل بين وسائل الإعلام والسلطات الأمنية. ذلك أن إنجازا كهذا يتعلق برحيق الحياة.. لم يتجسد إعلاميا سوى في مجرد خبر صحافي.. في وقت أجد أنه حري بتناول إعلامي تحليلي شمولي يتناسب مع أهميته.. وذلك من منطلق الرسالة الحيوية لوسائل الإعلام في ترسيخ دعائم الأمن الداخلي ودعم أصحاب الإنجاز في القطاع الأمني. وعلى الجانب الآخر، فإن الشرطة في المحافظات، قامت بتعيين متحدث رسمي.. وهذا أمر جيد ولكنه لا يكفي.. فهناك حاجة إلى وحدة إعلامية تنطلق في تواصلها مع المجتمع من خلال وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية وفق خطة إعلامية أمنية مدروسة.. تنظر إلى المواطن على أنه «رجل أمن» وليس العكس. نحن في الواقع بحاجة إلى تبني مفهوم «الإعلام الأمني»، بمضامينه ونظرياته العلمية والتجريبية.. وإعداد وتأهيل الكفاءات البشرية اللازمة للاضطلاع بالإعلام الأمني.. الذي يصب في النهاية في صالح الوطن والمواطن والمقيم. إن ما تحقق من إنجاز أمني في محافظة جدة، يعكس جهودا مخلصة ومكثفة من قبل الرجال الذين يعون حجم المسؤولية الملقاة على عاتقهم – كما قال سمو الأمير مشعل بن ماجد محافظ محافظة جدة - فتحية لمدير شرطة جدة اللواء علي السعدي وكافة منسوبيها. وفي ذات الوقت، فإن هذا الإنجاز يضع على عاتقهم مسؤوليات أكبر، ذلك أن تطلعات المواطنين تنتظر أن يتواصل هذا الإنجاز.. بحيث نسمع كل عام انخفاضا في معدلات الجريمة.. وازديادا في معدلات الجريمة المسجلة ضد معلوم. وحيث إن الأمن هو منظومة متكاملة.. فإن الإنجاز هو ثمرة جهود مشتركة.. ومن هذا المنطلق لا بد لنا أن نشيد هنا بجهود هيئة التحقيق والادعاء العام والجهات القضائية في محافظة جدة.. وننوه أيضا بقرار تفعيل العمل بنظام البصمة في منافذ الدخول إلى المملكة، الأمر الذي ساهم في منع أرباب السوابق من دخول البلاد. وأخيرا علينا أن ندرك أن حجم الجرائم لا زال مرتفعا، وأننا لم نصل بعد إلى غاية ما نتمنى، فلا زالت هناك حاجة إلى المزيد من الجهود والكثير من التطوير للعمل الأمني.. وبناء على ذلك يتواصل العطاء بإذن المولى سبحانه وتعالى.