يحلو لي أحيانا، حين تسعدني الأيام بفائض من الوقت أن أتابع تعليقات القراء عبر الإنترنت على ما يكتبه الكتاب في الصحف. وما يحويه الإنترنت من تعليقات القراء كثير، إلى حد أنه لو أراد باحث تأليف كتاب ضخم حوله لما أعجزه ذلك، فالتعليقات غنية بمضمون وسمات خصبة صالحة للتحليل واستجلاء الدوافع والعوامل التي كان لها دور في تشكيل شخصيات المعلقين وتكوين أفكارهم واختلاف أساليبهم في التعبير عنها. ما لفت نظري في تلك التعليقات أن القليل منها مبني على فهم صحيح لما يقال، ويحمل في ثناياه فكرا جديرا بالتأمل فيه، سواء اتفقت مع صاحبه أو لم تتفق، أما البقية فإنها في أكثرها يغلب عليها سمات ثلاث بارزة: إحداها، الجهل الذي يتضح من تعدد الأخطاء اللغوية وسذاجة التعبير. وعيب الجهل هنا، أنه يسبب قصورا في الفهم لما يقال، فتأتي التعليقات مبنية على فهم قاصر. والأخرى، سطحية التفكير وسذاجته، فغالبا تدل التعليقات على انحصار النظر إلى القضايا المطروحة في جانب واحد ضيق ومحدود، والغفلة عن تبين بقية الجوانب الأخرى المرتبطة به. وهذا أمر متوقع عندما لا يكون الناس مدربين على ممارسة التفكير المنظم ومعرفة أساليب التبصر في الحقائق. إلا أن أكبر مساوئ سطحية التفكير أنها تؤدي بصاحبها إلى إساءة الاستنتاج. وسوء الاستنتاج يحدث عند التسرع في اختطاف الفكرة المطروحة قبل استيعابها تماما، رغبة في مطابقتها مع أفكار موجودة في الذهن مسبقا، كأن يكون الكاتب أو الكاتبة من المصنفين في ذهن القارئ، (متشددا دينيا، أو ليبراليا، أو تنويريا) فيبادر إلى خطف الفكرة المطروحة ليطابقها مع ما في ذهنه من تصور لصاحبها، غير معني إن كان فهمه للفكرة ذاتها صحيحا أو غير صحيح. مثلا عندما يقول كاتب ما: (زرت عددا من البلاد الإسلامية فوجدت أغلبها متخلفة حضاريا وعلميا) فإن الاستنتاج السيئ قد يتهم القائل بأنه: (عدو للإسلام) وأنه يريد أن يقلل من شأنه ويشوه سمعته، لذلك هو ينسب إليه التخلف... إلخ. ومن نافلة القول، إنه على الرغم من أن الكاتب لم يتضمن قوله الإشارة إلى أن الإسلام هو سبب التخلف، ولم يربط بين الدين والوضع الراهن في البلاد الإسلامية، وكل ما هنالك أنه وصف واقعا رآه متجسدا أمامه في تلك البلاد التي زارها، إلا أن الفكرة الراسخة من قبل في ذهن القارئ، جعلته يستنتج من العبارة أنها ترمي إلى انتقاد الإسلام، حتى وإن لم ترد كلمة واحدة في ذلك. وفي أحيان أخرى، يحدث سوء الاستنتاج عندما يتعامل القارئ بطريقة واحدة مع عبارة تحمل أكثر من فكرة، وقد تكون فيها بعض الأفكار صادقة وبعضها غير ذلك، لكنه يتعامل مع العبارة كما أنها ذات فكرة واحدة، فيلتبس عليه الأمر، فعندما يقول كاتب ما: (كل أحد يطرب للموسيقى)، فإن تلك العبارة تحمل فكرتين وليس واحدة، (الموسيقى تطرب) فكرة و(كل أحد يطرب للموسيقى) فكرة أخرى، وإذا كانت الفكرة الأولى صادقة، فإن الفكرة الثانية ليس كذلك. غدا بإذن الله، نواصل التعليق على التعليق. فاكس 4555382-01 للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة