بناء الأوطان، وازدهار الدول والمجتمعات يعتمد على درجة فاعلية المنهجيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإعلامية، وشمولية الرؤية الكلية للوطن، ومستوى وضوح وتماسك المشروع الوطني لكافة النخب والمرجعيات. فعندما وقعت شركة تويوتا في أخطاء مصنعية فادحة، أفضت إلى سحب ملايين السيارات من الأسواق الأمريكية والأوروبية، ترتب على ذلك وقفة صارمة من القيادات السياسية والاقتصادية اليابانية، التي اعتبرت ما حدث يمس صورة اليابان دوليا، ما دعا رئيس تويوتا إلى الاعتذار وذرف الدموع أمام الكونغرس الأمريكي، لتفادي الأزمة، وتدخل رئيس الوزراء الياباني شخصيا لإدارة الملف، حفاظا على صورة اليابان أمام الأمم الأخرى من جهة، وحماية مصالحها الاستراتيجية من جهة أخرى. من هنا تبرز لنا اتجاهات التفكير السياسي الحديث، في أهمية بناء وتشكيل وتنمية الصور الذهنية للدول والمحافظة عليها، فانهيار الصور الذهنية ينعكس سلبا على المصالح الاقتصادية والاستراتيجية للدول والمجتمعات، فالدول مثل الأشخاص رأس مالها سمعتها وصورتها في المجتمع المحلي والدولي. واللافت في هذا الملف، أن تهديد صورة اليابان كدولة صناعية موثوقة، لم يأت عبر أخطاء استراتيجية في النظام السياسي الياباني، بل جاء من شركات القطاع الخاص، ولكن تظل النتيجة واحدة، فكلا النظامين العام والخاص يشكل صورة الدولة الحديثة، لذلك عندما نسترجع محليا كثيرا من الوقائع التي جرت في القطاع الخاص، تبرز لنا أحداث سلبية ماثلة في ذاكرتنا الوطنية، أثرت بشكل كبير على رؤيتنا للأحداث، ورؤية الآخرين لنا. فخصوصية القطاع الخاص، وأهمية دعمه وفق آليات وثقافة حرية السوق، لا يبرر تجاوزاته وأخطاءه، التي لا ينحسر ضررها على مؤسسة أو شركة بعينها، بل يتجاوز تأثيرها النظام الاقتصادي إلى النظام الاجتماعي، وكذلك إحداث تشويش حاد على صورة الوطن لدى أهله، ولدى الآخرين، ما ينعكس على مصداقية الوضع الاقتصادي، ودرجة الثقة في مؤسساته، وذلك وفق الصور الذهنية السائدة لدى الجمهور، والتي تتشكل بطبيعة الحال، وفق الأحداث والوقائع من جهة، وكيفية معالجتها والتصدي لها من جهة أخرى. فالوقائع والأحداث السلبية تخفض من رأس المال المعنوي، محليا وخارجيا، بينما الإنجازات والإصلاحات الاقتصادية تعزز الثقة، وتنمي رأس المال المعرفي، فالوطن سلسة من الصور المتحركة، تتحدد على ضوء اتجاهاتها ومضامينها، نظرتنا لها. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 166 مسافة ثم الرسالة