تتجلى في شخصية عبد الله أحمد بالعمش (65 عاما) صورة المتقاعد المثالي، وفي روحه ما زالت جذوة العمل تتوقد لتفيض عطاء، ولا يعدو كونه مرآة تعكس نموذجية المتقاعد، فهو لم يركن للوحدة ولم يستسلم للعزلة، لكنه أبى إلا أن يكون طاحونة فكرية تجمع وتؤلف الإصدارات المتخصصة؛ راصدا بذلك خلاصة تجربته في العمل الاجتماعي في إدارة دار المسنين ومركز التأهيل الشامل والرقابة الاجتماعية. عشرة كتب هي حصيلة بالعمش بعد تقاعده على المرتبة ال11 في وزارة الشؤون الاجتماعية، إثر 36 عاما قضاها ما بين وزارة الداخلية والشؤون الاجتماعية، فيما يقضي ثماني ساعات يوميا بين ركام الكتب ممسكا بقلمه الرصاص يعلق ويبحث وينقب عن المعلومات داخل مكتبه التي تضم 1500 عنوان. وإذا كان كثير من المتقاعدين ينسى تجربته الوظيفية وخبراته الإدارية فإن بلعمش اليوم يعمل أمينا للجمعية الوطنية للمتقاعدين ومستشارا اجتماعيا لها بلا مقابل. بدأ بالعمش رحلته الوظيفة في عام 1385ه في الرياض، واستقر في الثلث الأخير من عمره الوظيفي في مكةالمكرمة مديرا لمركز التأهيل الشامل ثم مديرا لدار رعاية المسنين، ومنها خرج بخبرات واسعة مكنته من تأليف كتب متخصصة عن رعاية المسنين من بينها كتاب (تجارب شخصية في ميدان الخدمات الاجتماعية) وملف كامل عن تعاميم وزارته لأكثر من 25 عاما. وكحصيلة لهذه التجربة الممتدة في ملف رعاية المسنين، يؤكد بالعمش أن ثقافة التعامل مع المسن تكاد تكون معدومة بين الأسر، مشيرا إلى أن رعاية المسن بحاجة إلى شدة الإصغاء والمتابعة لحديث المسن وتحفيز ذاكرته لاسترجاع الماضي ومحاولة إتقان اللهجة معه، خلافا لأهمية معرفة خصائص الأمراض التي يتعرض لها وكيفية التعامل معها على أن تكون دورة المياه الخاصة بالمسن مجهزة وفق قدراته وحاجاته منعا لسقوطه. ومن خلال تجربته الشخصية، يطالب بالعمش وزارة الشؤون الاجتماعية بنقل التجارب والخبرات لكل دور الرعاية، خاصة في ما يتصل بتوصيات المؤتمرات والملتقيات المتخصصة بشؤون العمل الاجتماعية مع أهمية التزام مجلات الوزارة بمواعيد الصدور وعقد الدورات التدريبية حول رعاية المعوقين والمسنين والأحداث على أن يقدم كل مسؤول عن دار اجتماعية تقريرا سنويا يرصد فيه ملاحظاته وتوصياته وأفكاره للرقي بالعمل الاجتماعي مع أهمية تأسيس قسم خاص لمتابعة هذه الأفكار والمقترحات في الوزارة حتى لا تكون حبيسة الأدراج. ويبدو من خلال هذه الحالة أن بالعمش يتبنى شعار (حتى لا تموت ذكرياتي معي) ويحرص على ترديده مع كل القياديين في الوزارات لرصد الخبرات والتجارب للأجيال، ولأنه يتنفس الكتابة ويرقد إلى جوار المحبرة فقد أعد 15مخطوطة جاهزة للطبع؛ منها كتابه (حي المعابد التاريخي) الذي رصد فيه ملامح الحياة القديمة في الحي المكي العتيق بموروثه ولهجاته وسكانه وأسماء أعيانه وأبرز الأحداث والحكايات التي شهدها الحي.