ودع الدكتور جودة السيد الكف أصدقاءه نزلاء دار الرعاية الاجتماعية في مكةالمكرمة، بعد أن قضى معهم أكثر من 20 عاما، وقدم مع نهاية عمله في الدار خلاصة تجربته مع المسنين في كتاب ضخم حمل عنوان «مدخل إلى عالم المسنين». وأقامت الدار حفلا وداعيا لأخصائي الباطنة وطب المسنين الدكتور الكف وزميله أخصائي العلاج الطبيعي الدكتور عبدالحليم إبراهيم، وفي حضور مدير عام فرع وزارة الشؤون الاجتماعية في منطقة مكةالمكرمة عبد الله آل طاوي ومدير دار الرعاية في العاصمة المقدسة عبيد الله المسعودي. وتخلل الحفل كلمات خطابية وقصيدة للمستشار الاجتماعي عبد الله بالعمش، وقدمت الدروع والهدايا للمحتفى بهما، لكن المشهد الأكثر تأثيرا كان إصرار المسنين على تكريم أطبائهم على طريقتهم الخاصة، في تلويحة وداع غسلت عيون الحاضرين بالدموع. واختصر الدكتور الكف مشاعره وانطباعاته حيال 20 عاما قضاها في المملكة بقوله، «قدمت لأول مرة للعمل بلبس البدلة الإفرنجي، وأنا أغادرها اليوم بالثوب السعودي»، وأكد أن عمله مع هذه الفئة أتاح له فرصة الاحتكاك والتفاعل مع جوانب حياتهم المغلفة بالعفوية والبساطة والصدق في زمن عزت فيه هذه الخصال، «تعلمت منهم أعظم دروس الحياة ولعل من أهمها الحكمة، وأعجبني كثيرا ما يحظى به المسنون من حب وتوقير في المملكة، وتقبيل الشباب رؤوس آبائهم وأيديهم وهي سلوكيات لم تتأثر برياح العولمة، وهذا دليل واضح على أن الأسرة السعودية لا زالت متوادة ومتماسكة». وتطرق الدكتور الكف إلى بعض المعلومات حول المسنين في المملكة، مؤكدا أن أعداد المسنين في المملكة تتزايد بشكل سريع إذ تبلغ النسبة 5 في المائة من إجمالي عدد السكان، وهي نسبة مرشحة للارتفاع السريع نتيجة ارتفاع الرعاية الصحية ووصولها للقرى والهجر وتحسن ظروف الحياة الصحية من مأكل ومشرب ونظافة وارتفاع نسبة الوعي بأهمية المكافحة والوقاية، وكل هذه العوامل أدت إلى ارتفاع متوسط العمر المتوقع عند الولادة مما يعني أن هناك ارتفاعاً هائلاً في أعداد المسنين، سيرفع النسبة إلى ما بين 20 إلى 25 في المائة، ما يستوجب إعداد العدة لهذه الزيادة التي تثمل خمس سكان المملكة. ومن خلال معايشته اليومية لحياة المسنين، يؤكد الدكتور الكف أن الحالة الصحية للمسن تظل الهاجس الأكبر في ظل ارتفاع تكلفة الرعاية الصحية وانخفاض معدل الدخل بعد التقاعد، لذا يتمنى أن تصل الرعاية الصحية المجانية للمسن وهو في مكان إقامته دون أن يضطر لمراجعة المستشفيات أو المراكز الصحية وذلك من خلال برامج الرعاية الصحية المنزلية، وأن تكون هناك أنظمة لتقديم علاج للمسنين المرضى في العيادات الخارجية دون الانتظار الطويل مع أهمية إيجاد تخصص طب المسنين في الجامعات لتخريج الأخصائيين في رعاية المسنين إلى جانب التوسع في دمج المسنين مع أسرهم والتعرف على ملامح هذه المرحلة لأسرهم وإنشاء الأندية الخاصة التي تجمعهم.