هاتفني أحد الأصدقاء البعيدين جغرافيا، ولكنه يسكن حنايا القلب وشغافه، وبعد كلام طويل قال لي: أين أنت الآن؟، أجبت: في جدة، فصرخ عاليا: جدة البحر، وانتهت المكالمة بعد ذلك بقليل، ولكن صرخته وعبارة جدة البحر لا زالتا ترنان في ذاكرتي، وكأنهما كل شيء في المكالمة.. حينها عرفت أنني فقدت شيئا غاليا منذ أن ودعت ثول، وودعت جدة الماء المالح، فلا بحر يا صديقي هنا، ولا نوارس، ولا رائحة اليود وصخب الأمواج وهي تضرب السواحل، هنا الزحمة والغربان والجرذان ومياه الصرف الصحي المختلطة بالماء المالح. أعرف أن هذه صورة سوداوية لجدة، فزوارها يعرفون أن هناك شاليهات ومنتزهات وأماكن باذخة الجمال على الماء المالح، ولكن كل هذا لا يعني البحر لدي. البحر هو: البحار والقوارب والامتداد اللا نهائي للزرقة العظيمة، البحر وجود للحياة في حالته المائية، ويجب أن يكون كذلك؛ لذلك لم أجد بدا من العودة عميقا في الذاكرة لأستدعي صوره. البحر الذي كان، والذي كنت أهزج به في طفولتي وقصيدتي، وأصرخ ردا على صديقي لأقول له: لم يعد هناك بحر، ولا طفولة ولا نوارس، هنا.. مدينة ترمم ذاكرتها وتحلم لعل البحر يعود.. ليعود الناس إلى ذاكرتهم. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 167 مسافة ثم الرسالة