لا شك أن فقد الرجال الأفذاذ العظماء ممن لهم تاريخ حافل بالعطاء والإنجازات يعتبر خسارة فادحة لكل أمة لا تعوض بأي ثمن، ففي غرة شهر ربيع الأول الحالي فقدت الساحتان الأدبية والفكرية أحد أركانها ممن أبلوا بلاء حسنا في خدمتها على مدى أكثر من 40 عاما، إنه صديقنا الحميم الأديب المؤرخ النسابة الجغرافي الشيخ عاتق بن غيث البلادي صاحب ومؤسس دار مكة للنشر والتوزيع في مكةالمكرمة الذي رحل عن هذه الدنيا الفانية إلى دار البقاء بجوار رب رؤوف رحيم بعد أن قدم خدمات جليلة للأدب والفكر، لا سيما في مجال التاريخ والأنساب من خلال إصداره لأكثر من 42 كتابا، منها عشرة مجلدات ضخمة، واستطاع أن يجوب معظم مناطق المملكة ويتحمل الصعاب في سيارته الخاصة لرصد الأماكن والمواقع والمعالم على الطبيعة وإصدار الكتب المؤرخة لها. كما استطاع الأديب البلادي رحمه الله أن يجمع بين عمله الرسمي العسكري كضابط في الجيش العربي السعودي وعمله الفكري والمتمثل في إصدار العديد من كتبه الأدبية والتاريخية وهو على رأس عمله العسكري مستغلا إجازاته السنوية والأسبوعية في القيام برحلات ميدانية لمناطق المملكة لرصد المواقع والمعالم وكان يستخدم رحمه الله سيارته الخاصة ويتحمل العديد من المشاق والصعاب في سبيل ذلك، كما كان يفضل القيام بهذه الرحلات وحيدا دون أن يرافقه أحد حتى يستطيع التركيز في مهمته والانقطاع الكلي لإنجازها دون أن يشغله شاغل عنها. وبعد الرحلة يمكث في مكتبه لتدوين ما رصده من خلال تلك الرحلة. لقد عرفت الأديب البلادي منذ أكثر من 34 عاما ولازمته كثيرا، حيث كنت حريصا على حضور مجلسه الأسبوعي الذي يعقده في داره في مكةالمكرمة كل يوم إثنين والذي تحضره نخبة مختارة من الأدباء والمفكرين والمهتمين بشؤون التاريخ والأنساب ومن محبي علمه وفكره. وكان للأديب عاتق برنامج خاص منضبط لا يمكن الإخلال به وقد وضعه بعد تقاعده وتأسيسه لدار مكةالمكرمة للنشر والتوزيع، حيث يداوم في المكتب في ساعة محددة ويخرج منه أيضا في ساعة محددة ويذهب للنوم أيضا في وقت محدد وللاجتماع بأفراد أسرته وكذلك تناول طعامه واستقبال محبيه، فهو رجل انضباطي من الدرجة الأولى لدرجة أنك تستطيع أن تضبط ساعتك على الموقع الذي يتواجد فيه ساعة طلبك له. كما استطاع رحمه الله أن يغرس حب القراءة والاطلاع في نفوس أنجاله منذ الصغر، وهم المهندس حسين، الرائد مسلط، الأستاذ سعد، والشاب الطالب الجامعي محمد. وقد لمست ذلك شخصيا، حيث انعكس ذلك على ثقافتهم العامة عند الحديث معهم أو عندما يتحدثون إليك حتى إنهم قالوا لي إنهم قرأوا السيرة النبوية لابن هشام واستطاعوا حفظها وهم في الصف الخامس الابتدائي بتوجيه ومتابعة من والدهم رحمه الله. ولذا فنحن مطمئنون على حفظهم للتراث الفكري والعملي الذي خلفه والدهم، لا سيما وقد أكدوا لي أنهم قد اتفقوا على استمرارية مكتبة والدهم لخدمة العلم والفكر والأدب وأنهم بصدد طباعة العديد من الكتب المخطوطة والتي تركها والدهم جاهزة للطبع قبيل رحيله. فرحم الله أديبنا الدهبزي عاتق البلادي وغفر الله له وأدخله فسيح جناته وجزاه الله خيرا على ما قدمه من أعمال جليلة في سبيل التاريخ وحضارة هذا الوطن. أحمد بن محمد سالم الأحمدي مكة المكرمة