لقد كانت ردة الفعل المواكبة لتصريح وزير العدل، بشأن قرب صدور ضوابط أو قواعد الترخيص لخريجات الشريعة والأنظمة بممارسة مهنة المحاماة (من المفترض أن تكون تنظيما وليس نظاما)، ردة الفعل هذه كانت مشوبة بقدر من المبالغة والتضخيم، ذلك أنه من الحقائق المسلم بها أن ثقة المرأة في المرأة تقل كثيرا عن ثقتها في الرجل، لا سيما في مجال المهن الحرة. فالمرأة لا تثق في المرأة المحامية أو المستشارة القانونية على ذات الدرجة التي تثق فيها بالمحامي أو المستشار القانوني الرجل. والمتتبع لنسبة النساء اللاتي يلجأن إلى الاستعانة بالمحاكيات لاستشارتهن أو توكيلهن في القضايا في دول الخليج العربية أو الدول العربية الأخرى أو حتى الأوروبية والولايات المتحدة، يتبين له بوضوح أنها نسبة متدنية إلى حد بعيد قياسا إلى نسبة لجوء المرأة إلى المحامين الرجال. وحيث سيرخص للفتيات بالتوكل عن النساء فقط، وفي قضايا الأحوال الشخصية فحسب وفق ما ورد في تصريح وزير العدل فمن المؤكد أن خصمها سيكون رجلا (الزوج أو محاميه)، فهل سيطلب منها القاضي محرما لها لحضور الجلسة، كما شهدت أكثر من مرة؟ ثم إن الزوجة التي ضربها زوجها فإنه إن كان يمكنها الاستعانة بمحامية لطلب فسخ النكاح على اعتبار أن هذه الدعوى من دعاوى «الأحوال الشخصية»، فكيف ستتعامل هذه الزوجة فيما يتعلق بواقعة الضرب؟ لا شك أنها ستلجأ إلى توكيل محامٍ (رجل)، على أن هذه الدعوى من الدعاوى الجزائية (الجنائية) وليست من دعاوى الأحوال الشخصية!! كما أن المرأة ذاتها قد تحتاج إلى محامٍ آخر إذا رغبت في تثبيت حقها في منزل الزوجية الذي شاركت فيه أرضا وبناء خلال فترة العلاقة الطبيعية، وهذه أيضا من الدعاوى المدنية التي لا يمكن إسنادها إلى محامية. والمرأة التي ترغب في دعوى طلب نفقة لها ولأبنائها الذكور.. هل ستقوم الأم بتوكيل محامية ويقوم أبناؤها بتوكيل محامٍ؟ وكذا الفتاة التي تتعرض لتحرش من أحد محارمها.. فإنه رغم حساسية وحرج المعلومات التي تدلي بها، إلا أنها لن تستطيع توكيل محامية على اعتبار أن التحرش ليس من قضايا «الأحوال الشخصية» بل الجنائية! وهي في ذلك تتشابه مع المرأة التي تكون ضحية لجرم الاغتصاب، فإنه رغم حرج الموقف والتفاصيل سيكون من المتعذر عليها الاستعانة بمحامية، ولا بد من محامٍ لأن الاغتصاب جريمة جنائية وليس «أحوال شخصية»، وذات الحكم ينصرف على قضايا العضل والقذف وعدم توزيع التركات «الإرث» والاستيلاء على راتب الزوجة وما إلى ذلك من القضايا الجنائية أو المدنية أو التجارية أو العمالية التي لا يمكن أن تترافع فيها المحاميات. الاحتمالات والفرضيات كثيرة، والمجال والمساحة لا يتسعان لما يمكن قوله في هذا السياق؛ لذا سأختم بالإيماءة إلى احتمال لم يزل قائما وهو أن المحاميات اللاتي سوف يرخص لهن بمزاولة المهنة ويسعدن بذلك، هن اللاتي سيسعين إلى إعادة التراخيص إلى مصدرها بعد ثلاث أو أربع جلسات، وقد سبقهن إلى ذلك عدد من المحامين (الرجال) بما يلقونه من الموظفين ما لم يكن ل«القوارير» وضع خاص. * أستاذ القانون في جامعة الملك عبدالعزيز محامٍ سابق