بشيء من الرضا والقبول الظاهر وبشيء من الاستياء الباطن كانت الكلمات في مخيلتي تجوب مساحة داخلية ضيقة مختنقة، لا تدري هذه الكلمات عن كيفية الانعتاق من ربقة هذا الاختلاج النفسي الخانق الظاهر الباطن، مابين الرضا والاستياء! أتى ذلك الخاطر المباغت، وهو يهاتفني الزميل الأستاذ إسماعيل المباركي، من إدارة التحرير، كي يبلغني بلطف وسماحة خلق ليقول إن المقالة يجب أن لا تتجاوز أربعمائة كلمة، قلت كيف كان ذلك؟. قال إنها التعليمات. فأدركت أن ذلك بمثابة قيد من الحرير الناعم الملمس والملبس من التحرير أحاط بمعصمي، بينما في صحف أخرى خمسمائة كلمة! وحقيقة لا أعرف كيف برز حينها على شاشة الذاكرة كتاب الكاتب الكبير الراحل عباس العقاد «القيود والسدود» مع بروز مشهد سينمائي مماثل لفيلم إسماعيل ياسين «إسماعيل في الجيش» حيث الشاويش عطية الثنائي الجميل، فتمثلت نفسي بهذه الحالة ياسين، وزميلي الشاويش عطية. فما علينا إلا التعايش والمعيشة في التماهي مع التعليمات! وبما أن الكاتب لا يحب القيود والسدود واجتياز الحدود، فإنني أذعنت لتحديد كلمات مقالتي وإقامتي الجبرية في الامتثال للمساحة المتاحة ل «أربعمائة كلمة» ولكن هناك لدي مشكلة وربما هي لدى أي كاتب آخر، وهي حينما أبدأ بالكتابة لا أعرف متى أنتهي، وذلك مسايرة للفكرة والقلم الذي أحاطت به الأنامل كحبل مشنقة، لم يكن الفكاك منها بالأمر السهل حين تحلو الكلمات وتتراقص الفكرة ويتداعى التوهج بمنولوج داخلي راقص عذب ينسى المرء أنه نسي مسألة الإيجاز ليكون الإيجاز للنشر، ولكن ماذا أفعل بمقالاتي الجاهزة للنشر التي تربو كل مقالة على ستمائة كلمة؟ فوجدتني متورطا بهذه التعليمات الأخيرة، حين أسقط في يدي، بشأن كيفية التعامل معها، فهل أبعثها للزميل إسماعيل في التحرير، وتتم تجزئتها على حلقتين، أم أعمل علي إيجازها بحدود المطلوب؟. ووجدتني أسيخ السماع لهاتف داخلي يرفض الخنق للكلمات، فليس من عادتي الخنق والاختناق وقطع الأرزاق، فهي عبر المداد تسترزق على الورق راكضة تريد الانعتاق رافضة أن تكون «موؤودة».. وما بين الوأد والركض في المداد يحار الكاتب في الإيجاز بالشيء المجاز، علما أن روعة وجمال المقالة في «الخواتيم» فلم يعد باستطاعتي بعد اليوم، انتهاج لعبة التحايل والمخاتلة مع الزميل إسماعيل، مثلما كان في الأمس القريب لتمرير الكلمات الزائدة، فاليوم مشرط التحرير جاهز كسيف مسلط على الكلمات الزائدة لإزالة الزوائد!! نعم مسألة تحديد الكلمات من قبل إدارة التحرير شيء بديهي في أية صحيفة رصينة تحترم شعور الإدارة حينما يكون العمل الصحافي متماهيا ومتناغما معا، وما أحسب صحيفتنا الجميلة «عكاظ» إلا الصحيفة المتناغمة إدارة وتحريرا، وإن أتى هذا التناغم يصب في محصلة الإعلان على التحرير، والمتضرر الكاتب ولكن هو الإعلان عصب الصحيفة والشريان المتدفق سيولة معسولة بالمكافآت.. لذلك تمدد وتعدد، طالما هناك ذلك الإمداد والإعداد المالي الناجح الرابح!!. للتواصل ارسل رسالة نصية sms إلى الرقم 88548 الاتصالات أو الرقم 636250 موبايلي أو الرقم 737701 زين تبدأ بالرمز 263 مسافة ثم الرسالة