وبما أنني تحدثت عن الترجمة والكتاب، لا يمكن لنا تجاهل القراءة، فلمن ستترجم الكتب إن لم يكن هناك من يقرأ؟ عادة ما تقام ندوات عنوانها الرئيسي: «لماذا هجر القارئ العربي الكتاب؟». وهذا سؤال خطأ، والسؤال الخطأ، عادة ما يجرنا إلى إجابة خاطئة، فمن قال: إن القارئ العربي كان فيما مضى يقرأ، ثم هجر القراءة؟ المتعارف عليه أن العرب دائما يتفاخرون بأن ثقافتهم قائمة على الشفاهة، حتى من يسمون علماء هم تتلمذوا على أيدي علماء، وكان الأكثر مواضبة على حضور دروس العالم، والأكثر حفظا، يحل مكانه، ليعيد على الجيل الجديد ما قاله العالم القديم، وهذا ما جعل الأفكار لا تتطور لأن مواصفات العالم تم تحديدها كقاعدة على أن يحفظ التلميذ كل أفكار شيخه معلمه، ليأخذ مكانته فيما بعد، ليعيد نفس ما قاله، لهذا لم تتطور رؤيتنا للعالم رغم كل هذه القرون. أعرف أني خرجت عن موضوعنا الأساس سامح الله الشيخ علي الطنطاوي رحمة الله عليه فهو المسؤول عن هذه التفريعات. أعود لثقافة «الشفاهة» التي كانت بسبب الأمية المنتشرة في العالم العربي، ولكن حين ارتفعت نسبة التعليم في العالم العربي، ظل الكتاب بعيدا عن القارئ العربي، ولم يلتق به الغالبية لأسباب عدة. أهمها الجانب الاقتصادي، فالإنسان العربي وضع بين خيارين، يشتري كتابا أو رغيفا، وكان الخيار بالتأكيد للغرائز الأولية الأكل. ومن نجا من الفقر «دول الخليج»، كانت حياتهم لا تدفعهم للقراءة، فالمحاضرات الدينية والمجالس استمرت هي «الجامعة الأولى» لتعليم الإنسان الخليجي الدين والسياسة والاقتصاد والتاريخ «وعلوم الرجال» كما يقال بالعامية. كذلك غالبية الكتب كانت من النوع المكرور، والتي تتناول قضايا محددة وواضحة «القبر وجه المرأة الاختلاط كتب السيرة الذاتية التي تتحدث عن عباقرة الخليج الحكماء». أيضا منع الكتب الحاملة لثقافة أو رؤى مختلفة لعب دورا في دفع الكتاب بعيدا، الأساطير لعبت دورا «حكاية رجل لا أحد يعرف من هو الذي وبسبب القراءة وسوس». يبدو أنني أخذت القارئ لحالة من الإحباط أو لرؤية سوداوية، ربما هذا صحيح، لكن ما أريد قوله في النهاية: إن عدم ارتباط الإنسان العربي في الكتاب هو من جعل مسألة الترجمة في نهاية المطاف وعلى المستوى الاقتصادي لا يمكن للمؤسسات الخاصة أن تنهض بها، لأنها ستفلس قبل أن ينتشر الكتاب في المجتمع. وهذا ما يجعلني أطالب الحكومات بأن تنهض بعملية الترجمة في بداية الأمر، ثم تتركها بعد أن ينتشر الكتاب ويصبح الإنسان العربي راغبا في القراءة. أطالب مؤسسات التعليم أن تبحث عن إجابة واضحة لسؤال «لماذا الطلاب لا يحترمون الكتاب ويقذفون به بعد انتهاء المرحلة» علها تحل مأزق هذه العداوة بين الإنسان العربي والكتاب؟ علها تحل هذه الأزمة، وإلا سنستمر أمة لا تقرأ وتعتمد على الذاكرة، والذاكرة تخوننا، فنخون أنفسنا. S_ [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 127 مسافة ثم الرسالة