لم تكد آثار السيول التي ضربت محافظة جدة في الثامن من ذي الحجة الماضي تنتهي، حتى بدأت الأمراض الوبائية تطل مهددة سكان المحافظة الذين فقد العديد منهم أقاربهم ومنازلهم في كارثة السيول. وفي الوقت الذي لم تتوقف فيه معاناة الأهالي من حمى الضنك، الذي ظهر في عدد من أحياء جدةالشرقية، بدأت المخاوف تزداد مع حمى أشد خطورة منها وهي حمى الخمرة التي تحاصر سكان جدة من الجهات الجنوبية. وقرب منطقة الخمرة على بعد أمتار من محطة معالجة مياه الصرف الصحي وسوق مسلخ المواشي، بدأت الحمى في الظهور، حيث أصابت ستة من سكان الحي «حتى الآن»، والعدد قابل للزيادة لا سيما إذا ما علمنا أن أهالي تلك المنطقة يعتمدون في حياتهم اليومية على الزراعة وبيع المواشي. وبحسب أطباء وزارة الصحة الذين «لا يبرئون» حشرة القراد من قدرتها الكبيرة على نقل مرض حمى الخمرة عبر مص دماء الماشية ونقلها للإنسان نتيجة الاحتكاك بها يوميا، فإن المناطق الجنوبية في جدة تعتبر الأكثر استعدادا لاحتضان المرض ونقله إلى السكان، الذين يعتمدون في حياتهم اليومية بشكل أساسي على الزراعة والرعي وبيع المواشي. ورصدت «عكاظ» خلال جولتها على منطقة الخمرة أمس مدى العلاقة الوطيدة بين السكان ومواشيهم، بلا أدنى شروط للحماية، فضلا عن انتشار الحشرات الضارة وتحديدا القراد والذباب والبعوض، ما دفع بعض السكان لترك منازلهم والانتقال إلى أحياء بديلة، ونقد الأمانة لغياب عمليات رش المبيدات الحشرية في الحي منذ هطول الأمطار وحتى يوم أمس. من جانبه، أوضح الطبيب البيطري عبد الحميد فريد (يعمل في عيادة بيطرية في منطقة الخمرة) أن المنطقة تحتوي أمراضا فيروسية عديدة عادت أخيرا بعد سيول الأربعاء إلى الظهور. وأشار الطبيب فريد إلى ارتفاع عدد إصابات المواشي بالحمى القلاعية بنسبة 70 في المائة والطاعون الذي يصيب المجترات الصغيرة بنسبة 10 في المائة، بالإضافة إلى مرض اللسان الأزرق، وتشترك جميع هذه الأمراض في أنها قادرة على إصابة الإنسان بأنواع مختلفة من الأمراض. وشبه الدكتور فريد مرض حمى الخمرة في خطورته بمرض حمى الوادي المتصدع، إذ أن الذباب والقراد تسبب أعراضا متشابهة للإنسان الذي يختلط بالحيوانات المصابة، محذرا من خطورة المرض على سكان المنطقة خصوصا في ظل افتقاد عمليات الرش. وشرح الطبيب فريد آلية عمل القراد في نقل المرض، بالقول: إنه أي القراد ، يتغذى على دم الإبل والأبقار والماشية، ويلتصق بأجسادها كونها حشرات زاحفة وتعمل على نقل الأمراض والدم من ماشية إلى أخرى، إذ تكمن خطورتها باختلاط القراد مع الذباب الذي ينتشر بكثرة في المنطقة ما يجعل الذباب أيضا ناقلا جيدا للحمى. من جانبه، قال الراعي صالح الغني: نعاني كثيرا من انتشار حشرة القراد والذباب في حظائر المواشي، مبينا أنها تلتصق بالإبل مباشرة، حيث تتواجد في ضروع النوق ما يؤدي إلى قلة الحليب نتيجة الحساسية التي يسببها القراد لها. وحمل علي الجهني (من سكان الخمرة)، أمانة محافظة جدة وفرع الزراعة مسؤولية انتشار حشرة القراد في منطقتهم، إثر غياب الرش، وترك التجمعات المائية دون نزح منذ هطول الأمطار على جدة، فضلا عن توجيه صهاريج الصرف الصحي لتفريغ حمولاتها من المياه الملوثة في محطة الصرف القريبة من الحي، الأمر الذي ساهم في انتشار الحشرة. من جانبه، أوضح أستاذ الطب الباطني والأمراض المعدية في جامعة الملك عبد العزيز في جدة الدكتور طارق مدني أن خطورة حمى الخمرة تكمن في عدم وجود علاج أو لقاح واق منه «حتى الآن» ما يعني خطورته الكبيرة على الصحة العامة والبيئة بشكل عام في حالة انتشاره بين سكان الخمرة.