ترتعد الروح حين تئن قلوب الأطفال بالشكوى، وتحتار عيونهم بحثاً عن أب غاب في عتمة الصمت، ونسي متعمداً أن له أبناء يتجرعون مرارة الفقد يومياً، ذلك الرجل الذي لا يرتبطون به إلا بورقة تسمى «شهادة الميلاد» تركها لتذكرهم بأن هناك إنسانًا أنانيًا يسكن على الطرف الآخر من العالم يتوحد مع نفسه وطموحاته وأحلامه، ضاربًا عرض الحائط بمشاعر آخرين يتلهفون إلى اللقاء، ويتشوقون إلى الرؤية، وتهفو أسماعهم لكلمة عبر الهاتف.. لكن لا يجدون إلا الفراغ، ولا يسمعون إلا صرير الوحدة، بعدما بيعوا بثمن بخس. كثيرون لا يقدرون نعمة الأطفال ويجهلون أهمية احتضانهم مادياً ومعنويا ونفسياً، وأن ذلك هو ما يخلق رابطة الأبوة، ويملي على الابن احترام أبيه ومحبته وبره عند الكبر.. إن المحبة لا تُخلق جزافاً أو بمحض الصدفة داخل قلوب أبنائنا، ولا تصنع بالجفاء ونكران الأبناء. ففي صباح يوم دخل علي رجل أعمال ذائع الصيت يسأل عن ابنه بسبب استدعائه من قبل المدرسة وجاء بعد إلحاح شديد، سألني عن ولده بالصف السادس قلت له لا يوجد بقسمي هذا الاسم قال قاسماً ولدي عندكم ثم رفع الجوال وسأل السائق فأخبره أنه في المرحلة المتوسطة وهذا الموقف يتكرر أحياناً كثيرةً بكل أسف (صورة لأب مشغول). كثير من الأمهات يتصلن ويستفسرن عن مشكلات أبنائهن التربوية وكذلك بعض الآباء المشغولين فكنت أطرح عليهم حلا يستغربونه كثيراً وهو إيجاد المربي البديل «الأب البديل» , وهو حل من وسط كثير من الحلول والاستراتيجيات والتي أعتقد بقوة أنه من أنجح وأنجع الحلول. إن ربط الطفل بأب بديل من الكبار، من خلال مؤسسات كفرق الكشافة ودور العبادة ودور الرعاية والمدارس، وأيضاً من خلال الإخوة الكبار للطفل أو الأعمام أو الأخوال أو الأقرباء، كل هذا يعمل على تخفيف معاناة الأطفال فاقدي الأب. ومن هنا كان غياب الأب عن الأسرة سواء بالوفاة أو بالهجر أو لظروف العمل المختلفة أو للزواج من أخرى أو للطلاق أو نتيجة المرض، له أثر سلبي على حياة الأطفال، حيث يؤثر على نموهم العقلي والانفعالي والاجتماعي والجسمي والنفسي، وعلى ثقافتهم وتفاعلهم مع الآخرين، وعلى مستوى تحصيلهم الدراسي فكان هذا دافعاً للبحث عن أب بديل. وللحديث تتمة حول فقه السلف في اختيار المربي ليس اليتيم من انتهى أبواه من همّ الحياة وخلّفاه ذليلا إنّ اليتيم هو الذي تلقى له أمّا تخلت وأبا مشغولا *مدرب ومستشار أسري [email protected]