استعد الفقراء للحظة الفرح، ودعوا الحجيج بقلوبهم، تزينت وجوههم بالبسمة، جهز الناس أضاحيهم يلثمونها بقبلة العيد. فكان العيد! الفساد يحتفل بأجنحة الموت يطير عابرا بيوتهم مخترقا تاريخهم قاتلا أحلامهم. حين حلت الكارثة كانت جدة تعيش فرحتها ولم تكن تدري أن ماجمعته الأمانة سنين طويلة سيتراكم وبالا على أجساد الفقراء. تناولت في حلقات متتالية عبر برنامجي الشاهد في قناة دليل الحدث والتقيت بمسؤولين وصناع أحداث سابقين وحاليين وكمواطن أشعر أن الخلل تجذر وأن عبء التنقيب لن يكون كبيرا وأن ملامح الإهمال وربما أكبر من ذلك تبدو أكثر حضورا في المشهد. حالة ارتباك صنعتها الأزمة ورغم ذلك يدفع المواطن للأمل القرار التاريخي بتشكيل لجنة شفافة تحقق وتسائل المسؤول أيا كان.. في بادرة لطفت الأجواء وفتحت باب محاربة الفساد وفي خطوة ندعو أن تستمر وأن تتكثف في كل مناطقنا حتى لايغتال خفافيش الظلام الذين يقفون خلف وهم الكراسي أحلام الوطن ويدفعون بطموحات النهضة إلى قارعة الطريق.. هي خطوة مسؤولة من رجل مسؤول وهي صرخة حرة يسانده فيها كل مواطن أن افتحوا أبواب محاربة الفساد وحين تلتقي إرادة محاربة الفساد بوعي المواطن الحقوقي حينها فقط يلتزم الخفافيش الموت! ويعيش الوطنيون مراقبين الله في حقوق الناس ومسؤولياتهم الشرعية، لقد كان القرار بحجم الحدث. فأجساد الصغار التي تناثرت وأحلام الكبار التي وئدت لم يكن ليمر عليها ألم كهذا دون أن تسأل وهو حقها المشروع: من قتل فرحة حياتنا ؟. الزيارات التي وقفت عليها في بعض الأحياء المتضررة أو حتى على رأس بحيرة (الموت ) جعلني أعرف كم يعيش هذا المواطن المكلوم مكلوما حتى بعد انقشاع الأزمة فحالة الترقب هي بحد ذاتها أزمة. هاهنا تحية أسجلها للإعلام على مواكبته وانطلاقه للحديث في فضاء الحرية والاستقلالية التي أطلقها قرار خادم الحرمين الشريفين ليكون النقد والجرأة في الاعتراف بالخطأ ديدن أمة ترنو لأن تكون قائدة في عالم يبحث عن قيمه المفقودة. ولتصرخ الأقلام أمام مبعثري الحضارة وسارقي الأموال ومغتالي فرحة الصغار في العيد وبائعي الوطن بجشع واهم أن لامكان لكم بيننا في وطن يبحث عن نهضة.. قطرات المطر لم تكن إلا قطرات مطر أما باطن الأرض فقد كان حالة أخرى جمل بالزهور وزين برائحة العطور وأخفى في جوفه مقبرة كبيرة أراد صناعها دفن الحياة في مهج الأبرياء ومع ذلك عاش الوطن حرا وارتقى المواطنون على جراحهم الغائرة ليعودوا يحملون مشاعل العلم والعمل في أكفهم ومآذن الإخلاص في قلوبهم.