حمل سكان حي الصواعد الذي جرفت السيول منازله في كارثة الأريعاء الأسود في محافظة جدة، الأمانة مسؤولية منحهم صكوكا شرعية في مجاري السيول «الخطرة». وقالوا ل «عكاظ» نحن لا نسكن في منطقة عشوائية كما يدعي البعض، وإنما نملك صكوكا شرعية والكهرباء وصلت منازلنا منذ سنوات، فلماذا باعونا في هذا المكان ولماذا استخرجوا لنا تصاريح بناء، ولماذا مدوا الكهرباء لمنازلنا. وطالبوا جميعا بمحاسبة المسؤولين الذين خططوا الأرض واستخرجوا التصاريح وأوصلوا التيار الكهربائي إلى منازلهم وهم يعلمون أن هذه المناطق غير آمنة «والتي فقدنا فيها أعز ما نملك من أبناء وبنات وآباء وأمهات وأقارب، فما أهمية كل شيء بعد ذلك». ويقول محمد العبد الله: كنت في عملي عندما بدأ السيل، والحمد لله أن خرجت أسرتي صدفة من المنزل مع جيراننا، لأن السيول دمرت المنزل بالكامل وخربت كل محتوياته وأثاثه. بينما يشير أحد السكان إلى منزل كبير سوته السيول بالأرض وأطبقت أنقاضه على أم وأربعة أطفال، ويقول مشيرا بأصبعه إلى المكان: هنا كان منزل كبير والآن لا شيء يشير إليه، إذ جرفته السيول وحطمت أثاثه وأسقطته على أم وأربعة أطفال لم يعثر على جثثهم إلى الآن، مشيرا إلى أن أصحابه لم يسكنوه إلا بداية شوال الماضي. بينما وقف أحد الشباب في منطقة تتصاعد منها رائحة الموت وحمل عصا بيده يحفر بها التراب، ويقول: «أبحث عن والدي الذي فقدناه منذ ذلك الأربعاء الأسود». وأفاد الشاب: نحن لا نسكن في هذه المنطقة لكن أبي كان يبني مسجدا في هذه المنطقة وجاء في ذلك اليوم المشؤوم ليتابع ما حدث للمسجد ولا نعلم أين هو حتى اليوم، وفيما الدفاع المدني يعمل على تجفيف البحيرة بحثا عن جثث محتملة انتقل الشاب إلى الموقع على أمل أن تكون جثة والده في داخلها. وفي حي قويزة لبس عدد من الأشخاص كمامات وهم يحفرون قرب أحد المنازل وفيه بحثا عن أقارب لهم، وقال صاحب المنزل ل «عكاظ» قبل كارثة السيول كان يعيش في منزلي هذا ستة أفراد (ثلاثة أطفال وثلاث نساء)، ومنذ ذلك التاريخ لم نعرف لهم أي أثر، مشيرا إلى أن إحدى أخواته حامل في شهرها الخامس وكان أول طفل لها. وقال إن ما نعمله الآن من حفريات عبارة عن محاولة للعثور على جثثهم ليس إلا، إذ أيقنا أنهم لن يكونوا على قيد الحياة بعد الآن. ويتذكر صاحب المنزل بألم ذلك اليوم الأسود: «لا يهمني ما خسرت ولا ما فقدت من أملاك بعد أن زهقت أرواح أفراد أسرتي، وعندما سمعت بخبر السيل هرعت سريعا إلى المنزل لكن المياه كانت تفصل بيني وبين منزلي، وما هي إلا لحظات حتى دهمني السيل وتمكنت من الإمساك بمكان عند مدرسة حتى انتهى السيل، وعند عودتي إلى المنزل كان كل شيء قد انتهى، إذ توفي الجميع، وما أريد أن أعرفه هو؛ من المسؤول عن كل هذا ومن يتحمل هذا الأسى؟ وبين أنقاض أحد المنازل تشق أم بعصاها طريقها الوعرة بحثا عن بناتها الثلاث، وأول ما بدأت بكلام الصابرة المحتسبة «الحمد لله على حكم الله»، وقالت «عند بداية السيل شاهدنا الماء يقترب من البيت وركضت بناتي للبس عباءاتهن والصعود إلى مكان أعلى، لكن السيل لم يمهلنا فقد كسر الباب ودخل فوقفنا على كنبة وجرفت قوة الماء كل شيء في طريقها، لكنني تمكنت من السباحة باتجاه المطبخ وتمسكت ببابه كما أمسكت حفيدتي وانتظرنا نحو ساعة كاملة حتى انخفض منسوب المياه ودخل جيراننا وأخرجونا، كما أخرجوا معنا جثث بناتي وزوجة ابني. وأمام حجم الكارثة اكتفت إحدى الناجيات بالصمت داعية للموت أن يعبر بنفسه عن حجم الألم والكارثة وقالت «ماذا نحكي أكثر من الموت»، وطالبت ابنتها الوحيدة الناجية من الحدث بمحاسبة المسؤولين عن الكارثة.