تابعنا في العقود الماضية الحراك الثقافي في جدة وتلك المساجلات التي تمت بين المثقفين في جدة، وأذكر منهم أبو تراب الظاهري، وعبد الرحمن الأنصاري صاحب مجلة المنهل يرحمهما الله حول (ضم أو فتح أوكسر حرف الجيم من كلمة جدة)، وفي تلك الفترة أيضا تابعنا كثيرا من المقالات التي كتبت ونشرت تطالب بإقامة مصدات ومجار لحماية جدة من خطر السيول والتي كانت تتدفق على مدينة جدة عقب الأمطار والتي لا تقاس كوارثها بالكارثة الكبرى التي حصلت الآن، رغم أن مدينة جدة في تلك الفترة لم تتجاوز جسر شارع فلسطين، ومدينة جدة أصبحت اليوم واسعة متسعة شمالا وجنوبا وشرقا وغربا. ومنذ أنشئت بحيرة المسك منذ ما يقرب الثلاثة عقود أو يزيد إلا وتثار حولها كثير من الآراء والمقالات، وفي هذه الأيام أضافت بحيرة المسك شبحا جديدا يهدد سكان مدينة جدة وخاصة الأحياء المجاورة لها، الأمر الذي جعل من أمانة مدينة جدة أن تسرع في إنشاء بحيرة إضافية أخرى لامتصاص الفائض من بحيرة المسك وتطمين سكان الأحياء المجاورة لها من أي خطر يتهددهم، وباعتباري أقيم في مدينة جدة منذ فترة طويلة وأعتبر نفسي واحدا من سكانها يصيبني ما أصابها. إن الإضافة أو التوسعة إليها لا تحل جذور المشكلة فستظل شبحا يهدد مدينة جدة وخصوصا عند حصول كارثة أخرى كالتي حصلت، وبرأي أن حل المشكلة يكمن في إقامة محطة تكرير ومعالجة مياه الصرف الصحي والاستفادة أولا من المياه المكررة بعد تعقيمها وتطهيرها لتصبح بعدها صالحة على الأقل لسقيا المزروعات والحدائق والأشجار في مدينة جدة وضواحيها، بل إن هذه الضخامة من مياه الصرف يمكن تحويلها بعد تكريرها وضخها عبر أنابيب إلى خزانات تقام فوق جبال الأودية الممتدة من جدة شمالا وشرقا، ومن هذه الخزانات يمكن مد أنابيب إلى بطون الأودية لسقي أشجارها وبما يتناسب مع هذه المياه المكررة، وحتى الجبال والآكام ممكن زراعتها بأشجار تتناسب مع هذه المياه، بحيث تصبح الطرق الممتدة بين جدة ومكة وبين جدةوالمدينة جبالها وأوديتها كلها خضراء بالاستفادة من هذه المياه، بدلا أن تبقى هكذا محجوزة دونما فائدة، ولا أعتقد أنها ستكلف كثيرا، وأن كلفت فأنها ستصبح ذات مردود اقتصادي في المستقبل. إن كثيرا من الدول استفادت من تكرير مياه الصرف الصحي وأقامت من مياهها أحراشا من غابت الأشجار أصبحت فيما بعد تعطي مردودا اقتصاديا في إقامة صناعات مثل صناعة الأثاث وقطع الأخشاب لأغراض اقتصادية مختلفة، وتتكرر عملية زرع الأشجار وقطعها في دائرة مستمرة دائمة، فما بالنا بمساحة طولها 500 كيلو من جدة إلى المدينة ومكة يمكن زرعها بمختلف الأشجار وحتى يمكن زرعها بالأشجار المثمرة النافعة. وقد شاهدنا أشجار النخيل وبعض الأشجار الأخرى كيف ماتت واقفة في واديي قديد وخليص وغيرهما جراء الجفاف الذي حصل في السنتين الماضيتين فإنه يمكن لأصحاب هذه الأشجار أن يأتوا إلى محطة التكرير ويملأوا صهاريجهم منها ويسقوا بها أشجارهم، خاصة المثمرة منها كالنخيل وأشجار السدر والنارجيل وغيرها. ثانيا: يمكن الاستفادة من رواسب الصرف الصحي كسماد عضوي للأراضي الزراعية، زرعها سواء كغابات، وحتى يمكن زرع الجبال الصخرية بأشجار الصبار (البرشومي) من هذه المياه بعد تسميدها فتصبح خضراء ذات فائدة. هذه واحدة من الطرق التي يمكن الاستفادة من بحيرة المسك بدلا من أن تبقى هكذا بانتظار الشمس تسطع عليها وتحولها إلى بخار ملوث للهواء النقي أو حتى تسخينها بواسطة آلات وتحويل مياهها إلى بخار ملوث في السماء فكلا الطريقتين عقيمتان غير مجديتين نفعا، إذ أنه ما سوف يأتي ويصب في البحيرة يفوق أضعاف ما يتبخر منها. محمد علي الجعاشي