إن مفهوم (حرية الرأي والتعبير) حديثا يرجع إلى القرون الوسطى وتحديدا عام 1689م، بعد أن أصدر البرلمان البريطاني قانونه الشهير (حرية الكلام في البرلمان)، ثم مر قرن كامل وبعده أعقبت الثورة الفرنسية إعلانها عن حقوق الإنسان والمواطن، والذي تضمن نصا مفاده أن حرية الرأي والتعبير جزء أساسي من حقوق المواطن، ولم تفلح الولاياتالمتحدةالأمريكية آنذاك في تطبيق ما جاء في دستورها عن حق حرية الرأي والتعبير، وحذفت هذا البند، بل واعتبرت أية معارضة بمثابة جريمة يحاسب عليها صاحبها، هذا بإيجاز هو بدايات ظهور المفهوم السالف الذكر في العصر الحديث. وإحقاقا للحق نجد أن مفهوم (حرية الرأي والتعبير) بدأ من وجهة نظر إسلامية قديما جدا، وتحديدا مع قول الله تعالى: ((ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين))، وجعل الشرع ذلك فريضة على الحاكم والمحكوم معا. الحاكم من خلال الشورى، والقضاء، وسد حاجيات المحكومين بما يضمن كفايتهم وغير ذلك. والمحكوم من خلال مطالبته بالتعبير وإبداء الرأي للحاكم ولغيره، وعدم ذلك يؤدي إلى الخلل. وبالعودة إلى الآية السابقة نجد أن الاختلاف في الرأي ليس أمرا فطريا فحسب، بل هو مؤشر إيجابي، لأنه يعكس التنوع والتعدد فقها وفكرا، وليس الأمر مقتصرا عليهما بل هو كذلك في الشؤون الأخرى كالثقافة والاقتصاد ونحوهما. قد يسأل سائل ويقول: هل الأمر على إطلاقه؟ والجواب هو (نعم.. ولكن)، بمعنى أن الرأي متاح طالما خلا من الغيبة والسخرية وهتك الأعراض، وبعد عن الإيذاء والافتراء. ولأجل ذلك كان التعبير بالرأي في الإسلام واجبا وليس حقا يمكن للإنسان أن يمتنع عن الإفصاح عنه، والمهم هو أن لا تسوقه فصاحته لنشر ما أجمع العلماء على فساده، أو كان طريقا للفتنة، أو معولا للهدم، أو مغلفا بشعور الوصاية، أو مثيرا للتشكيك. هذا الوعي بهذا الوجوب هو الذي دعاه صلى الله عليه وسلم إلى عرض نفسه في السنة الرابعة للبعثة وبعدها على القبائل مستفيدا من تجمعهم، يدعوهم إلى الله تعالى، ويخبرهم أنه نبي مرسل، ويسألهم أن يصدقوه ويمنعوه حتى يبين ما بعثه الله به، وكان الناتج هو أن وجد الإسلام طريقه عند أصحاب القلوب السليمة، وبقي أصحاب القلوب المريضة بعلاتهم. وذات الوعي هو الذي دعا الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الاستماع والاستجابة لرأي صاحبه أبو الرأي سيدنا الحباب بن المنذر رضي الله عنه في يوم بدر بالنزول بمكان استراتيجي أشار به عليه، «يا رسول الله سر بنا حتى ننزل على أدنى ماء يلي القوم، ونغور ما وراءه من القلب، ونسقي الحياض، فيكون لنا ماء وليس لهم ماء»، وتفاعل معه صلى الله عليه وسلم قائلا: «لقد أشرت بالرأي، وسار بالجيش إلى المكان المشار به»، وقد استوعب هذا الوعي كل من أتى بعده صلى الله عليه وسلم، ومن أشهر أقوالهم الخالدة شعار الإمام الشافعي (رحمه الله): «رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب». فاكس : 026063913 [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 240 مسافة ثم الرسالة