عندما يقلب المرء بأنامله قنوات التلفزة الفضائية ب«الريموت كنترول» يشاهد العديد من القنوات الوافدة الناطقة باللغة العربية لدول أجنبية، تجاوز عددها العشر قنوات كان آخرها قناة trt التي أطلقتها تركيا الشهر الماضي.. فما سر تهافت تلك الدول لبث قنوات ناطقة بالعربية في هذا التوقيت بالذات؟.. حول هذا الموضوع استطلعنا آراء مهتمين بالشأن الإعلامي والسياسي فكانت الحصيلة التالية: القنوات «المستعربة» بداية، قال مدير قناة اقرأ الفضائية محمد سلام إن ظاهرة القنوات الأجنبية التي تبث باللغة العربية ليست وليدة اللحظة، بل بدأت بثها في أواخر الثلاثينيات، ولا شك أن ظاهرة القنوات الأجنبية «المستعربة» ظاهرة موجودة ومؤثرة في الإعلام الفضائي العربي، الذي تطور في السنوات الأخيرة تطورا كبيرا بخطوات سريعة وجريئة. أهداف وغايات وأضاف: «إذا قدمنا حسن الظن في هذه القنوات الموجهة، يمكننا القول أن كل الدول التي تبث منها هذه الفضائيات تعلم جيدا أهمية المنطقة العربية في العالم والتأثير الكبير لها سواء في الاقتصاد أو السياسية أو الثقافة أو غيرها، ولا شك أنها ترى في هذه القنوات ما يحقق توصيل صوتها أو رؤيتها للجمهور في المنطقة العربية، وهو ما يحقق إيصال رسالتها وثقافتها وتوجهاتها ومصالحها المختلفة؛ نظرا لأهمية المنطقة، ولرغبتهم أن نعرف عنهم الكثير وعن نظرتهم للأشياء التي لدينا وقضايانا وترجمتهم لها». ولفت سلام إلى أهمية متابعة محتواها حتى لا يكون لها أثر سلبي على المتلقين عبر المحتوى والمعلومات والثقافة التي تقدمها، مؤكدا في الوقت ذاته على ضرورة تفحصه بعناية، لأن المحتوى ربما لا يتناسب مع عقيدتنا الإسلامية وثقافتنا العربية، وتوخي الحذر في ذلك، وقال: «مع الأسف توجد حاليا قنوات عربية أصيلة على الساحة تقدم محتوى يخالف ثقافتنا الإسلامية وعاداتنا العربية، فهي بذلك تقوم بأدوار أكثر سوءا وسلبية من القنوات الأجنبية». الإعلام المؤثر وبين أن التحولات العالمية والأحداث المهمة والساخنة المستمرة في المنطقة العربية والعالم أدت إلى ظهور مثل هذه القنوات الموجهة، لا سيما أن هذه الأحداث قد أدت بدورها إلى تغيير النظرة العالمية للشرق الأوسط والمنطقة العربية والمسلمين بشكل خاص، إضافة إلى الأهمية الاستراتيجية لهذه المنطقة وساكنيها، ولقناعة جهات بث هذه الفضائيات بأهمية الدور المتعاظم والمؤثر للإعلام في العالم أجمع، وأيضا لسهولة البث الفضائي عبر الأقمار الاصطناعية، حيث أصبح من السهولة بمكان أن تبث قناة فضائية وتنشر عبر الأقمار الصناعية في وقت وجيز، فهذه الميزة لم تكن موجودة منذ عدة سنوات وإنما التطور المذهل في وسائل الاتصال أدى أيضا إلى سهولة إنشاء قنوات وتوجيهها حسب الأهواء والتوجهات. أهمية المنطقة من جانبه، أكد مدير قناة مكة الفضائية الدكتور نبيل حماد على أهمية المنطقة العربية لأنها موقع استراتيجي منذ القدم، خصوصا أنها مهد الحضارات والأديان، وأضاف: إن سر تهافت الدول الصناعية على هذه المنطقة الحيوية لأهميتها التجارية والاستراتيجية، بالإضافة إلى أنها منطقة بترولية، والمتأمل فيها يرصد التنافس الأمريكي الصيني عليها بشكل واضح، فقد دخلت الصين بقوة تنافسية في السودان بالإضافة إلى دخول تركيا إلى خط التنافس محاولة ترسيخ قدم لها في الشرق الأوسط. الإسلام باق وأضاف: إن عالمنا العربي لا يخشى ما تبثه تلك القنوات، وإن كان فيها ما يشوب التقاليد والعادات؛ لأن عالمنا العربي ما زال صامدا بقوة رغم المؤامرات التي تحاك ضده والتاريخ يشهد بذلك، وبرغم بزوغ الفضائيات في التسعينيات وتحذير الكثيرين من غزوها إلا أن الإسلام بقي قويا، بل انتشر عبر الفضائيات الإسلامية بشكل ملفت للنظر بفضل الله عز وجل ثم بالجهود والميزانيات المتواضعة التي لا تقارن بالقنوات الأجنبية. سوق سياسية ويرى أستاذ العلوم السياسة الدكتور عبد الستار قاسم أن سبب تهافت الدول الأجنبية على المنطقة العربية والشرق الأوسط؛ لكونها أصبحت سوقا سياسية واقتصادية في الآونة الأخيرة، وأضاف أن القنوات الوافدة والناطقة بالعربية لها أجندة واضحة، منها ما هدفه السيطرة على المنطقة، ومنها ما يصب اهتمامه للتعريف بدولته وثقافته، ومنها ما هدفه التقرب من العالم العربي كتركيا على سبيل المثال.