ظل أغلب الحجاج في المسجد الحرام في صلاة الجمعة يوم العيد التي أقيمت على خلاف الأصل في حقها لنهيه عليه الصلاة والسلام عن عيدين في يوم واحد واقفين متلاحمة أجسادهم رجالا ونساء في صحن الطواف لاستحالة ركوعهم وسجودهم من شدة الزحام حتى انتهاء الصلاة وخطر الموت محدق بهم. فهل مثل هذا التلاحم وزيادة الطين بلة بإقامة الصلاة فيهم هل هذا من باب التيسير ورفع الحرج الذي يستشف إليه الشارع الحكيم في العبادات كلها ناهيك عن الحج وما فتئ الرسول (عليه الصلاة والسلام) في يومه يقول لكل من فعل كذا وكذا .. «افعل ولا حرج» ؟ ليس هذا من التيسير ورفع الحرج في شيء بل هو على التشدد والتزمت والتشبث بأهداب التهميش في العبادات وترك المقاصد الكبرى والأصول العظمى التي طفحت بها صفحات الوحيين، وفي مقدمتها حفظ النفس. بل بعض من هذه التشددات هي على خلاف الأصل في الأحكام الفقهية فيها. فالأصل في صلاة الجمعة إذا صادفت يوم عيد ألا يصليها الناس، وتحل محلها صلاة الظهر. قال عطاء بن أبي رباح فيما رواه أبو داود في السنن (358/1070): (صلى بنا ابن الزبير في مكة يوم عيد في يوم الجمعة أول النهار. ثم رحنا عند الظهيرة إلى صلاة الجمعة فلم يخرج إلينا فصلينا صلاة الظهر وحدانا. وكان ابن عباس في الطائف. فلما قدم ذكرنا له ذلك فقال: أصاب السنة). وعطاء هو أفقه الصحابة في أحكام المناسك. وابن العباس حبر الأمة وفقيهها. والحكم عندهم هو على ما حكم به الرسول بعدم صلاة الجمعة في يوم العيد. فمن أين جاء هؤلاء بهذا التشبث بأداء صلاة الجمعة في يوم العيد وفي يوم يرى فيه الموت من شدة الزحام دون صلاة ناهيك عن الركوع والسجود؟! فنرى كتلا متلاحمة محدقا بها الموت في صحن الطواف والرجال والنساء في تلاصق مزعج والإمام قائم يصلي بهم في المكبرية سالما آمنا بعيدا عن أخطار ومشاق ما يعانيه المسلمون أمام عينيه. أي صلاة هذه؟ ومن أين جاء هؤلاء بهذا التشدد والتزمت وإقحام العسر والمشقة في عبادات الحجاج؟! ولقد كان الرسول لمجرد هطول شيء من الأمطار أو هبوب العواصف أو شدة البرد أو وجود الوحل في الطرقات يأمر بلال أن يقول في الأذان (صلوا في رحالكم) بدلا من عبارة (حي على الصلاة). بل قد قصر وجمع عليه الصلاة والسلام أربع صلوات في المدينة من غير سفر ولا مرض ولا مطر ولا برد. ثم حينما سئل عن ذلك قال: «لكي لا تحرج أمتي». وهل ثمة حرج هذه الأيام أكبر من مواجهة الموت في صحن الطواف؟! فالواجب في حق رئاسة الحرمين إزاء هذه التهلكة والعذاب عدم إقامة الصلوات المفروضة في المسجد الحرام في جماعة اعتبارا من فجر يوم العيد إلى فجر يوم الثالث عشر من ذي الحجة. ولقد كان بعض أهل الفتوى قبل أعوام ينتشرون على جسر الجمرات يوم النفرة الأولى من منى وبأيديهم مكبرات الصوت ويصرخون في الحجيج يحذرونهم من الرجم قبل الزوال مكررين: (لا يصح الرجم قبل الزوال). ويتكدس الحجاج في وقت الظهيرة ثم يتدافعون عند الزوال ويبدأ الزحام والسقوط يقصف أرواح الأبرياء بسبب هذه الفتاوى، مع أنه عند الحنفية وهو أكثر مذاهب المسلمين انتشارا على وجه الأرض أنه يجوز الرجم قبل الزوال. ولما تكرر إزهاق ألوف الأرواح على جسر الجمرات رجع أهل هذه الفتاوى إلى جواز الرجم قبل الزوال! فهل ينتظر المسؤولون في رئاسة الحرمين أن يقصف هذا الزحام أرواح الأبرياء في صحن الطواف حتى يتراجعوا إلى جواز ترك صلاة الجماعة في المسجد الحرام خلال هذه الأيام؟! ومن الواجب أيضا في حق مؤسسات الطوافة التنبيه على حجاجهم بضرورة قصر وجمع الصلوات طيلة إقامتهم في مكةالمكرمةوالمدينةالمنورة، فإن هذا هو الحكم الشرعي. وقد قال عليه الصلاة والسلام في فتح مكة: «يا أهل مكة أتموا فإننا على سفر»، وقد أقام عليه السلام فيها تسعة عشر يوما يقصر ويجمع. فلو اتبع الحجاج هذا الهدي النبوي لنقص هذا التلاحم والتزاحم في أماكن العبادة إلى النصف تقريبا. وقصر الصلاة وجمعها عزيمة عند الجمهور. والعزيمة معناها أن من الواجب في حقهم هذا القصر والجمع. والقول عند الحنفية والشافعية أن من أتم الصلوات في السفر فقد أساء وعليه الإعادة حتى لو خرج وقتها عند الحنيفة وفي وقتها عند الشافعية. ولقد اختلف الفقهاء في مسألة جواز القصر والجمع إذا كان المسافر مقيما في بلد مثل حال الحجاج هذه الأيام إلى أكثر من اثني عشر فريقا فقيل أنه يجوز القصر إن نوى الإقامة أكثر من أربعة أيام بلياليها. وقيل ثلاثة عشر وقيل خمسة عشر وسبعة عشر وتسعة وعشرين .. وقيل بل يقصر أبدا حتى يرجع إلى موطنه الذي خرج منه ما لم ينو الاستيطان. وليس لأي من أقوال تحديد أكثر مدة القصر أصل في الشرع لا في حديث صحيح ولا ضعيف ولا حتى موضوع. قال ابن تيمية في الفتاوى (24/137) وأيضا لمن جعل للمقام حدا من الأيام إما ثلاثة أو أربعة أو عشرة .. فإنه قال قولا لا دليل عليه من جهة الشرع. فالأصل الرجوع إلى العلة وهي السفر، وهذه ملازمة لجميع الحجاج. ولقد أقام ابن عمر في أذربيجان ستة أشهر يجمع ويقصر في الصلوات. وأقام أنس بن مالك سنتين في نيسابور يقصر ويجمع. فالواجب في حق المسؤولين اتخاذ الأيسر والأسهل وهذا من تشوق الشارع الحكيم لليسر ورحمته للعباد. بعيدا عن التشدد والغلو والعناد فالحكومة لم تقصر مع ضيوف الرحمن ولكنها محكومة بجغرافية المكان ويبقى على العلماء الأخذ بالأيسر حتى تتلاحم الجهود ويخرج الحج بالصورة التي يريدها ولي الأمر وحتى لا تقع مثل كارثة جدة والتبريرات جاهزة. فاكس/ 6975040 [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 148 مسافة ثم الرسالة