هذا الصباح وبعد أن اكتملت الصورة في رأسه، وبدا له أن الأمور أكثر وضوحا من أي يوم، بدأ يحدد من هم خصومه الذين سيرفع عليهم قضية ويحاكمهم. كتب: لا بد من محاكمة المسؤولين عن بناء البنية التحتية في جدة بأكملهم، فهم المسؤول الأول عن غرق هؤلاء البشر، الذين وثقوا بأنهم آمنون، فناموا لتأتي أمطار كان من المفترض أن تكون عادية لولا هذا الفساد، فغرقت البيوت ومراكز الشرطة والمستشفيات والأنفاق. لا بد من محاكمة من صنع الطرقات والأنفاق، فقد تخيل أن هذا المطر جاء هذا اليوم تحديدا، والحجيج عائدون من مكة، قال لنفسه: بالتأكيد سترتفع الضحايا للآلف بسبب مطر كان من المفترض أن يكون عاديا لولا الفساد. تذكر ما بثته وكالة الأنباء، الذي جاء خبرها هكذا «ورصد مندوب وكالة الأنباء السعودية فرحة الأسر والأطفال بهطول هذه الأمطار التي لم تعتد عليها المدينة منذ سنوات طويلة، وتوجه بعض أهالي سكان جدة إلى شواطئ الكورنيش والاستمتاع بهذه الأجواء المناخية الجميلة والرائعة والفرحة تملأ النفوس بأن أنعم الله عليهم بهذه النعمة المباركة». تذكر كل المقالات التي أشادت بالمسؤولين عن البنية التحتية لجدة، قال لنفسه: لا بد من محاكمتهم أيضا بتهمة تضليل الرأي العام، فهم أي المضللين أكدوا للمواطنين أن عليهم ألا يخافوا، وأن يلعبوا مع أطفالهم في المطر، فيما كان سكان جدة يلعبون مع الموت. بعد أن اكتملت عريضته، تذكر أنه لا يعرف لمن وإلى من يذهب ليرفع الدعوة، هل المحكمة هي المختصة بمثل هذه القضايا، أم عليه رفعها لديوان المظالم، أم يقدمها لمجلس الشورى، لتبدأ محاكمة كل مسؤول عن هذه الكارثة؟ كتب يقول: إلى من يهمه الأمر، إن ما حدث أمر أخطر بكثير من غرق وموت أبرياء ذهبوا للعادل عز وجل، وسينصفهم فيما بعد ممن ظلمهم. إن مدينة لا تغضب لموت مواطن، ولا تتحرك كل أجهزتها لمطاردة المسؤولين عن موته، هي في النهاية تعلن أن الإنسان لا قيمة له. وخطورة هذا الإعلان، أن المدن أيضا تصبح بلا قيمة؛ لأن قيمة المدن مرتبطة بقيمة إنسانها، وحين لا يكترث لموت إنسانها، هذا يعني أنها مدينة مباحة للنهب، مدينة لا تصلح للعيش، فربما يأتي مطر جديد ويغرق مواطنون جدد في مدينة لا تحاسب من أفسدوها، لا تحاسب من بنوا طرقاتها وأنفاقها دون تصريف للمياه، لا تحاسب أشخاصا ضللوا الرأي العام، من أجل مصالحهم الشخصية والأنانية والغبية. أقول غبية؛ لأن الإعلامي والكاتب عليه أن يدافع ويحارب بأمانة من أجل قيمة وكرامة وحقوق الإنسان، لأنه من نفس الفصيلة، ودفاعه عن الإنسان يعني دفاعه عن كرامته أيضا. أعان الله خالد الفيصل على التراكمات التي خلفتها السنون والعقود «الممنوعة من الصرف». S_ [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 127 مسافة ثم الرسالة