في قلب مبنى الحجاج الشاهق الواقع في شمال شرق جدة حيث يضع الحجيج القادمون جوا أولى خطواتهم في الأراضي السعودية، نجح علي بيكيه (هندي الجنسية) سريعا في إقناع أحد الحجاج من أبناء جلدته في تسليم جواز سفره إلى المطوف بعد أن رفض في بداية الأمر بسبب صعوبة التواصل اللغوي بينهما. علي بيكيه لم يكن إلا واحدا من ألف مقيم هندي في عدة مدن سعودية قرروا التطوع هذا العام، لخدمة الحجاج القادمين لأداء مناسك الحج سواء في صالات المطارات أو في المشاعر المقدسة حيث يقدمون خدمات تتراوح بين الترجمة وإيصال الحجاج إلى مخيماتهم ونقل المريض منهم إلى المستشفى والبقاء معه حتى الخروج، وتشمل خدماتهم كافة الجنسيات القادمة إلى الأراضي السعودية وتحتوي المجموعة على 15 طبيبا و8 مهندسين ومجموعة كبيرة من المحاسبين والفنيين العاملين في الشركات السعودية. فكرة التطوع الرائعة التي وصلت إلى هذا العدد الكبير من العاملين في السعودية من مهندسين وأطباء وإعلاميين ومحاسبين بدأت قبل ستة أعوام خلال جلسة سمر بين سبعة من الشبان الهنود خلال استمتاعهم بإجازة الحج، والتي يمنعهم قصر مدتها من السفر إلى بلادهم حيث اتفقوا على مساعدة الحجاج لقضاء وقت الفراغ ونجحوا في جذب غيرهم حتى بلغ العدد 36 شابا في ذلك العام، وارتفع العدد في العام الذي يليه إلى 150 متطوعا، وفي العام الثالث 400 متطوع ثم 890 متطوعا العام الماضي ووصل العدد الراغب في التطوع هذا العام إلى ألف متطوع هندي. يقول ابو بكر بنجوا قائد المتطوعين في المشاعر المقدسة «راقت الفكرة للعديد من المقيمين في المملكة وفي الأعوام الأخيرة بدأوا يتوافدون علينا من عدة مدن سعودية وهم يحملون رغبة كبيرة في خدمة الحجاج وبدون أي مقابل». وعن التعامل مع الجهات الرسمية قال «نحن ننسق مع الندوة العالمية للشباب الاسلامي ومع السفارة الهندية ونشترط على من يريد التطوع أن يقدم أوراقه الرسمية لرفعها إلى الجهات المعنية وأخذ الموافقة على ذلك». وتمتد الخدمات التي يقدمها المتطوعون إلى إرشاد التائهين من الحجاج وإيصالهم إلى مخيماتهم خصوصا من كبار السن والعجزة وعادة ما يصاحب تلك الخدمات مواقف متنوعة يحكي إحداها علي بيكيه ويقول «قبل عدة أعوام صادف أحد أصدقائنا المتطوعين طفلا أمريكيا ضائعا في صباح يوم النفرة، واصطحبه بحثا عن والدته في كل الأماكن الممكنة، ولم يجدها إلا قبيل غروب شمس ذلك النهار وهي في حالة نفسية سيئة للغاية، وعندما شاهدت طفلها احتضنته لدقائق وهي غير مصدقة أنها تراه مرة أخرى، وعندما أخبرها الطفل بما فعله المتطوع أخرجت 5 آلاف دولار لمكافأته، إلا أنه رفض وعرضت عليه ان تبعث له تأشيرة عمل أمريكية فور عودتها إلى بلادها ولكنه رفض أيضا مؤكدا أن ما يفعله لم يكن إلا لوجه الله». ويتنوع عمل المتطوعين ما بين مطارات جدة والمدينة وبين المشاعر المقدسة، حيث يجد موظفو المطارات عادة صعوبة في التعامل مع بعض الحجاج القادمين من آسيا والتواصل لغويا معهم حيث سمحت الجهات المختصة هذا العام ل 25 متطوعا بالدخول إلى مبنى الحجاج منذ هبوط أول طائرة حجاج باكستانية في منتصف شهر شوال الماضي.