تلك هي الأبواب المفتوحة أبدا التي لم تغلق قط في وجوه الوافدين والزائرين والمارين مرور الكرام إلى بيت الله الحرام. هذه الأبواب المشرعة في مدن الجنوب؛ ما اعتاد أهلها أن يوصد باب أو يغلق في وجه ضيف قادم من خارج حدود البلاد، فما بالكم إذا كان القادم في ظروف الحرب الحدودية ابن العم أو الخال أو الجار، أليس البيت بيته، والأرض أرضه، والتراب الذي نقف عليه معا ترابه. هؤلاء القادمون من قراهم، ليسوا غرباء ولا نازحين ولا مشردين، إنهم أهلنا من لحمنا ودمنا، وتعرف خطاهم كل شبر في أرضنا. وإذا كان بعضهم قد خرج قسرا من ديارهم من أجل حمايتهم وضمان سلامتهم ورأفة بهم، فهذا لا يعني إطلاقا أن أرضهم قد ضاقت بهم. في جازان، ثلاثة آلاف وخمسمائة قرية ومدينة فتحت أبوابها وقلوبها لإخوتهم، ولكن قبل هذا وبعده كان القلب الأكبر والأرحم والأحن على شعبه قلب ملك الإنسانية والذائد عن حمى الوطن الملك عبد الله بن عبد العزيز قد اتسع لهم وأمر بإيوائهم وصرف مخصصات مجزية لكل فرد منهم، كبيرا وصغيرا، رجلا وامرأة وطفلا، ومع كل هذه المكرمات الجزيلة آثر البعض منهم أن يبقى في بيته قريبا من حقله وماشيته، رغم كل الخطر وكأن لسان حالهم يقول: هذه الأرض التي ولدنا عليها وغرسنا نبتها ورويناها بعرقنا ودمائنا لن نبرحها، ولن نسمح لمعتدٍ آثم أن يدنسها أو يتسلل إليها. إنه ارتباط الإنسان بجذوره وأرضه لا يفرط فيها ولا يغادرها. ذات زمن سألت تهاميا مثلي يحاول أن يتحضر، كان قد تخرج طبيبا وعاد إلى مدينته الجنوبية «سامطة» مديرا للمستشفى، وكان كريما مضيافا كأبيه وجده ولم يحرص قط على ادخار النقود، وقد أدركته مهنة الصحافة والأدب وهو يجهد في إكمال بناء منزله الذي بدأه منذ خمس سنين. قلت له مشفقا: لماذا يا دكتور لا تبيع قطعة من هذه الأرض الواسعة الشاسعة الممتدة طولا وعرضا على مد البصر، وتبني عمائر كبيرة لك في جازان وجدة والرياض. فأجابني ضاحكا: نحن لا نبيع الأرض، هل تود أن يبيح أشراف أبو طالب دمي ويهدرونه. قلت: ولكنك صوتهم. قال: لقد تنازلت عن ذلك، والأرض هي الباقية ونحن الراحلون، الأرض أمنا يا أبا منصور فهل يبيع الإنسان أمه، وأخذت أتأمل معه تلك الحقول الخضراء وأخرى جدباء لم تزرع، وتعلمت يومها من أخي وابن أخي الدكتور حمود أبو طالب كاتبكم المعروف «أن الأرض هي الأهم والأغلى والأحن علينا، نذود عنها بأرواحنا ودمائنا»، ولا أزيد. للتواصل ارسل رسالة نصية sms إلى الرقم 88548 الاتصالات أو الرقم 636250 موبايلي أو الرقم 737701 زين تبدأ بالرمز 254 مسافة ثم الرسالة