وأنا أكتب لكِ الآن يخترق نافذتي صوت عصفور يغني بفرح، حاولت أن أفتح النافذة عله يهرب، لكنه وعلى غير العادة أصر واقترب أكثر، وأصبحت جدران غرفتي الصغيرة والمزدحمة بالكتب والأحلام المؤجلة تردد غناءه الفرح، كان يصر علي وإن لم نلتق العصفور وأنا قبل الآن على أن أشاركه الفرح، ففعلت، فهل تشاركيني الفرح يا جدتي هذا الصباح وسنجد في المساء حزنا لتبكي عليه أو ستعودين لصلاتك في المساء لتبكي على خطاياكِ التي لم ترتكبيها أو ستبكين وأنتِ تتوسلين الله بأن يحفظ حفيدك. أنا لن أتعب كثيرا في بحثي عن حزن فالمدن الكبيرة توفر حتى الحزن، هل تذكرين حين كتبت لكِ عن تلك العجوز التي اختفى نصفها العلوي داخل برميل النفايات، وكيف مصادفة ودون قصد تماسكت نظراتنا هي وأنا، فمسني حزن في شغاف القلب لأنها تشبهكِ، ولأني تخيلت أني مت بأي طريقة تافهة كأن يفجرني من يرون أنفسهم المجاهدين بالخطأ، أو يأتي شاب مترف يسحق بسيارته عظامي، فتبتلعكِ الطرقات. يبدو أنني أخذت الحديث لمدارات لا يريدها العصفور، فهو يود أن أشاركه الفرح. سأترك الحزن وأكمل مع الفرح معكِ. كيف هي خادمتك، هل تعلمت كيف تطبخ «المطازيز»؟ وهل مازالت بقرتنا لا تسمح لها أن تقترب منها؟ أظن كلنا الخادمة والبقرة وأنا تعودنا عليكِ لهذا لم أفكر بالزواج، لأني لن أجد امرأة مثلك. الآن والعصفور يغني، تذكرت حين كنت طفلا، أجلس في حضرتك «وتكدين شعري»، وتغنين لي أغاني، لم أعد أذكر منها ولا أغنية، لكنها بالتأكيد كانت جميلة، في نهاية الأسبوع سأعود للقرية، وستمشطين شعري وتغنين لي تلك الأغاني لأتذكرها. نسيت أقول لك، صديقي يريد الحضور معي للقرية، يقول لي: أريد رؤية جدتك الحكيمة. أخبرته أننا ما زلنا نسكن ببيت طين لن يليق به، وأن جدتي لا تريد تغيير هذا المنزل، لأن هذا البيت الطيني ليس جدرانا وأبوابا ونوافذ فقط، بل ما زالت جدتي تشم رائحة جدي وتستعيد ذكرياتها الصغيرة بكل تفاصيلها. قال لي إنه لن يضايقنا وسيسكن في فندق، أخبرته أن ما لدينا ليس فندقا بالمفهوم الحقيقي للفندق، وأننا نطلق عليه مجازا فندق، ومع هذا ما زال يلح علي. يوم الأربعاء سأعود للقرية، وسأقرأ لكِ ما كتبته، وستقبلينني، وسأضطجع على ركبتك وستغنين تلك الأغاني الجميلة التي لم أعد أذكرها، وسأتقوقع داخل حجرك وسأحلم أن الأرض ما هي إلا قريتنا الصغيرة وأنتِ وأنا وخادمتك وبقرتنا. سأحضر معي «الحنة»، هذه المرة ستكون سوداء، لأنكِ ستحدثيني عن جدي، لهذا يجب أن تتأنقي له. الآن سأتركك، فالعصفور يصر على أن أشاركه الفرح هذا الصباح، وأحبك يا جدتي. المرسل: قروي ما زالت المدينة لم تبتلعه بعد. S_ [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 127 مسافة ثم الرسالة