كان يا ما كان، منذ خمسة أعوام من الزمان، لي جار في لندن اسمه «شميدت». و«شميدت» هذا يا سادتي هو كلب صغير جدا لا يرتفع عن الأرض بأكثر من بضعة سنتيمترات. له صوت مزعج أكبر من حجمه بعدة أضعاف. هو ملك جارتي الألمانية التي اسمها السيدة روزنبرغ. أحسبها كانت من الناجين القلائل من المحارق اليهودية. حدثت لي قصة مع هذا الكلب، ابن الكلب، الذي لم أكن أحبه يوما، وكثيرا ما كنت أحلم بأن أشوته ككرة صغيرة إلى السماء فلا يعود منها. ملخص القصة أني، وبدون قصد، دست بقدمي على قدمه الصغيرة على مدخل البناية التي أسكن بها. غضبت السيدة، وغضب الكلب، واستحممت أنا بسيل من اللعنات. بعد أسبوعين تسلمت رسالة من مؤسسة تعنى بحقوق الحيوان، تسأل عن تفاصيل الحادثة. قضيت بعدها ثلاثة أسابيع في مراسلات مع هذه المؤسسة، كما ولو كنت المسؤول عن المحارق اليهودية. أخيرا وجدت نفسي أقدم باقة ورد للسيدة وبضع عظمات للكلب مع خطاب اعتذار له ولكل كلاب العالم. حسبت الأمر انتهى إلى هنا، لا سيما أن السيدة روزنبرغ المسنة اللطيفة الهادئة، والتي كثيرا ما كنت أشرب شاي بعد الظهيرة في منزلها، قد نسيت الحادثة بعد أن تأكدت أني لا أضمر أية نية شريرة تجاه عزيزها «شميدت». منذ يومين تفاجأت برسالة من السيدة روزنبرغ تخبرني فيها أن «شميدت» قد مات، وأنها تعيش وحدة كبيرة بعد وفاته. كانت رسالتها بحجم نصف صفحة. أقسم أن من يقرأ كلماتها، ورثاءها، وندبها للفقيد سيحسبها تتحدث عن زوجها، أو ابنها. ولما كنت أتفهم العلاقة التي تربط الغربيين بكلابهم، قدر ما استطعت أن أفهم، فقد أدركت حجم الوحدة التي تعيشها السيدة روزنبرغ الآن، وتعاطفت معها. لكني تفاجأت بها تختم رسالتها بتذكيري بقصتي مع الفقيد «شميدت». بل والأكثر أنها، ومع إحساسها المؤلم بغيابه، أشعرتني، بتهذيب بالغ، بشيء من الذنب على تلك الحادثة التي مضى عليها خمسة أعوام، كما ولو أن دعسة قدمي هي التي تسببت في هلاك «شميدت» وأصابت كبرياءه في الصميم. فكرت في ما أكتبه لها مواسيا في هذا الحدث الجلل، ومكفرا عن خطئي اللا إنساني. قلت سأبعث لها بعظمة كبيرة أكتب عليها تاريخ حياة «شميدت» توضع على ضريحه كشاهد قبر. هل له قبر؟ نعم، وقبر فاخر بتابوت من خشب الورد أيضا. لكني قررت أن أكتفي بمواساتها، أو مواساة نفسي، برسالة تعزية مختصرة كتبت عليها التالي: عزيزتي السيدة روزنبرغ، لا تبكي كثيرا على الفقيد، فقد عاش محترما أكثر من نصف البشر الذين أعرفهم في عالمنا. [email protected] للتواصل إرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو زين 737701 تبدأ بالرمز 258 مسافة ثم الرسالة